عن قمة شرم الشيخ ..حكمتها ومحاذيرها

TT

مؤيدو شارون في اجتماع الليكود المركزي تصرفوا كما تصرف جنود الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد حاولوا اخراس نتنياهو، ليس لما يقوله، ومضمون خطابه، بل لانه منافس لزعيمهم شارون.

لكن رغم كل هذه المحاولات صوت مركز الليكود لصالح رأي نتنياهو الداعي لرفض فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة. وجاء التصويت ليدل على ان نتنياهو يتمتع بتأييد نسبة ستين بالمائة، وان شارون يتمتع بتأييد اربعين بالمائة، لكن هذا التصويت لا يؤثر على وضع شارون كرئيس لوزراء اسرائيل، اذ انه يتمتع بتأييد كتل اليمين المتطرف المختلفة ولا يعتمد على الليكود فقط. وهذا لا يعني ان هؤلاء الحلفاء سوف يتمكنون من مساعدة شارون عندما تحين لحظة الانتخابات في العام 2003.

لكن اللافت للنظر، في قرار الاجتماع المركزي لحزب الليكود، انه اغلق الطرق على شارون ومنعه حتى من المناورة في مسألة الحل الساسي الذي اقترحه الاميركيون لازمة الشرق الاوسط.

فالاميركيون اعنلوا عن رؤية للحل السياسي تستند لقرارات الشرعية الدولية وتؤكد ان هذا الحل يجب ان يشمل اقامة دولة فلسطينية مستقلة، استنادا للقرارات الدولية خاصة 242 و338 و1397 والتي تقضي بانسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلتها عام 1967 واقامة دولة فلسطينية مستقلة عليها.

كما اغلق قرار الليكود الطريق على شارون للتجاوب والتعاطي مع مبادرة الامير عبد الله بن عبد العزيز، والتي تحولت الى موقف عربي بعد قمة بيروت، تلك المبادرة التي حظيت بتأييد الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة.

وبذلك يكون مركز الليكود قد وجه صفعة لكل هذه الجهات التي تمثل العالم كله، لان بقية الدول (دول عدم الانحياز والدول العربية والدول الاسلامية تؤيد تطبيق قرارات الشرعية الدولية واقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية).

بنيامين نتنياهو احرج شارون الذي لا يختلف معه، في الواقع، حول رفض اقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، وما كان يسعى اليه شارون هو انتزاع قرار غامض ليتيح له هامشا واسعا من المناورة والا يؤدي هذا الموقف لاحراجه فيضطر الى لفظ موقفه الحقيقي من عملية السلام.

فالسياسة الشارونية تستهدف انهاء عملية السلام تدريجا تحت شعار الامن ومحاربة الارهاب. وكذلك فان سياسة شارون هي اطالة امد هذه المرحلة ليتمكن من جلب اكثر من مليون مهاجر يهودي من اميركا اللاتينية لاسكانهم في مستعمرات تبنى على اراضي الضفة الغربية، خاصة غور الاردن، ولذلك اقترح شارون على مركز الليكود ألا يصوت على اقتراح رفض اقامة الدولة الفلسطينية. وهذا يعني انه اراد ان تبقى الامور ضبابية بين اعلانه السابق حول ضرورة اقامة دولة فلسطينية وبين رفض اقامة هذه الدولة لتكون مستقلة وذات سيادة.

شارون يعتقد انه يتمتع بدرجة عالية من الذكاء الامر الذي يؤهله للتلاعب في مواقف الولايات المتحدة الرسمية. وهو يعتقد ايضا ان لدى اليهود من النفوذ في الكونغرس الاميركي ما يكفي لاجبار الادارة الاميركية على تأييد مواقفه ومواقف الحكومة الاسرائيلية.

وهذا الاعتقاد وصل الى الحد الادنى الذي قال شارون بشأنه: «نحن نحكم اميركا ونتحكم بقرارها فلا تجزعوا. دعوني امارس السياسة لتقليل الخسائر». جاء ذلك في اجتماع له مع بعض اعضاء مركز الليكود قبل الاجتماع العام الذي عقد ليلة امس (الاحد/ الاثنين 12 و13 ايار من العام 2002).

الحقيقة والواقع يشيران الى ان شارون لا يريد السلام واذا دققنا اكثر نستطيع القول ان شارون يعتبر الضفة الغربية جزءاً لا يتجزأ من ارض اسرائيل، وان ما تنازلت عنه الحكومات السابقة من إخلاء للمدن الفلسطينية هو في رأيه جريمة مؤلمة لا بد من تحمل تبعاتها. وشارون يطرح (ويعتقد انه بهذا يتفوق بذكائه على الجميع) مشروعا لهدنة طويلة الامد (قد تستمر للابد)، وانه بعد هذه الهدنة يمكن الحديث او البحث في الحل السياسي او كما يسميه الوضع النهائي.

بطبيعة الحال شارون يسعى لانهاء فكرة الدولة المستقلة ذات السىادة، وهذا ما تستهدفه تكتيكاته الراهنة. لهذا السبب طلب شارون من انصاره في الكونغرس الاميركي تقديم مشروع قانون (أقر باغلبية ساحقة) يعتبر الضفة الغربية جزءأ لا يتجزأ من اسرائيل.

لكن الولايات المتحدة، التي بدأت ادارتها تستوعب ولو ببطء شديد ان لديها مصالح في مناطق مختلفة من الشرق الاوسط خلاف اسرائيل، تطرح جديا ان الحل السياسي يتمثل في اقامة دولة فلسطينية ذات سيادة تعيش بسلام جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل، ولا يوجد لدي شك بان تأييد بوش وادارته لاسرائيل نابع من عاملين، الاول هو رغبة بوش في انتزاع ولاية ثانية في البيت الابيض، وهذا يعتمد كثيرا على تأييد الجالية والجمعيات اليهودية في الولايات المتحدة.

والثاني تكوين اداة ضاغطة على اسرائيل للاتجاه نحو السلام والاستقرار عبر الرؤية الاميركية للحل السياسي، بعد ان نال شارون كل الدعم من واشنطن لارتكاب ما ارتكبه من مجازر وجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.

اثبتت اسرائيل، بدعم مطلق من الادارة الاميركية، انها تستطيع تحدي العالم اجمع، وان تستمر في ارتكاب جرائم الحرب دون ان يتمكن احد من وقفها او لجمها.

ولكن السؤال المطروح هو هل تستطيع اسرائيل ان تبقى على نفس الموقف في حال اتخاذ الادارة الاميركية موقفا حازما لتطبيق رؤيتها للحل السياسي؟

هذا هو المأزق القادم لرئيس وزراء اسرائيل شارون. وهو الذي يتطلع ويعمل من اجل تأجيل اللقاء، او المواجهة السياسية، حول الرؤية الاميركية للحل السياسي في الشرق الاوسط حتى العام 2003، موعد الانتخابات القادمة في اسرائيل. وامام هذا الوضع جاءت قمة شرم الشيخ. ولقد تعددت الاراء فيما صدر عن تلك القمة لكنني اود القول ان ما صدر عن القمة في شرم الشيخ هو الحكمة بعينها، في ضوء الظروف التي يخضع لها الشرق الاوسط في هذه اللحظة. وفي الوقت ذاته اود ان انبه من ان ما اقترح في القمة يشكل الخط الاحمر لكل العملية السياسية في الشرق الاوسط، اي ان ما يطلبونه من القيادة الفلسطينية هو الخط الاحمر، مقابل ان يرموا بثقلهم لقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، استنادا لما طرحه الامير عبد الله بن عبد العزيز من ان الاساس هو انسحاب اسرائيل لحدود الرابع من حزيران.

لقد بلغ السيل الزبى حقا. ولقد سبق ان كتبت في «الشرق الأوسط» حول ضرورة واساسية عدم شراء السمك وهو في البحر بل يجب شراؤه وهو باليد. ذلك ان شارون ما زال يعتقد ان العرب أغبياء، وانه يستطيع خداعهم. نحن نؤيد تماما وقف العمليات الانتحارية ونعتبر قتل المدنيين جريمة نكراء. ونعتقد ايضا ان الفلسطينيين الذين يقومون بالعمليات الانتحارية هم شباب ضللوا من ناحية، وضحايا العدوان الاسرائيلي من ناحية اخرى.

فمقاومة الاحتلال يجب الا تتوقف، ويجب ان تستمر، وهذا حق مشروع وواجب وطني، لكن استهداف جنود الاحتلال والمستعمرين المسلحين هو القصد، من اجل رحيل الاحتلال نهائيا عن ارضنا، اما قتل كبار السن في الحافلات والشباب الصغار في ملاهي الليل فهذا ليس القصد، ولن يكون ابدا الهدف.

وعلى هؤلاء، الذين يخططون لهذه العمليات وينفذونها، ان يعلموا انهم بما يفعلونه لا يخدمون القضية الوطنية، بل يخدمون شارون وحكومته. نحن ندعم ونمارس المقاومة المشروعة.

لا ينقص هؤلاء جنود منتشرون في كل انحاء الوطن وحول مدنه وقراه ومخيماته، فليهاجموا جنود الاحتلال وليس المدنيين.

عندما ندين اسرائيل بارتكاب جرائم الحرب لقتلها الالاف المدنيين، لا يمكننا الا ان ندين ونرفض اي عملية يرتكبها فلسطينيون تستهدف مدنيين اسرائيليين.

لذلك كان بيان شرم الشيخ عين الصواب، لكن مرة اخرى، ينبغي التنبيه الى ان السمك لا يشترى في البحر بل على الشاطئ.