السباق العربي ـ الإسرائيلي ـ الأميركي نحو السلام أو الحرب

TT

يتسارع تطور الاوضاع والمواقف، عربيا واسرائيليا واميركيا، في المرحلة الراهنة من الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بحيث انه يصعب على المراقبين الحكم على مآلاتها. ففي الوقت الذي قامت فيه مظاهرة ضخمة لدعاة السلام الاسرائيليين في تل ابيب، كان حزب الليكود يزايد على شارون رافضا القبول بقيام دولة فلسطينية، وفي الوقت الذي تراجعت فيه اسرائيل عن مهاجمة غزة، ورحبت اوساط الحكومة الاسرائيلية ببيان قمة شرم الشيخ الثلاثية، وخرج الرئيس عرفات من حصاره، كان الكونغرس الاميركي يؤكد ويضاعف دعمه لاسرائيل ولومه وادانته لياسر عرفات! وحاول ان تفهم! من قراءة اولى، يبدو ان الاوضاع تتحرك باتجاه استئناف محادثات السلام، لا في اتجاه تصعيد المجابهة والاتجاه نحو حرب عربية ـ اسرائيلية جديدة، وذلك بالرغم مما صرح به رئيس لجنة التخطيط والدفاع في الكنيست الاسرائيلي يوفال ستاينز عن احتمال نشوب حرب اقليمية، في الاشهر القادمة، ناسبا الى ايران تسليح حزب الله بتسعة آلاف صاروخ مصوبة على اسرائيل من الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية، وتخطيط العراق لضرب اسرائيل، فزيارة الامير عبد الله للولايات المتحدة وما تبعها من تصريحات ومواقف، كتأجيل توجيه ضربة اميركية للعراق، ودعوة الى مؤتمر دولي حول الشرق الاوسط، يعقد في الصيف القادم، وفك الحصار عن عرفات وحضور سوريا قمة شرم الشيخ، وامتناع اسرائيل عن الرد على آخر عملية ارهابية استشهادية فلسطينية، كل هذا يرجح جنوح الاوضاع نحو استئناف المفاوضات، لا نحو تصاعد العنف والجنوح الى المصادمة والحرب.

والسؤال الحقيقي المطروح هو: هل سيتغلب الافرقاء المؤمنون او المراهنون على السلام، عربيا واسرائيليا واميركيا، على المتطرفين والراديكاليين، الرافضين او الكافرين بالسلام؟ أم العكس؟

من الأكيد ان الشعوب في اكثريتها تريد السلام، شرط ان لا يكون سلاما على حساب حقوقها ومصالحها، وان هناك، في كل شعب ومجتمع سياسي، اقلية مؤلفة من جماعات تعيش من الصراع، ولا يناسبها توقفه، وهي، عادة، الجماعات التي اتفق على تسميتها بالمتطرفة او المتعصبة او الراديكالية بصرف النظر عن لجوئها، او عدم لجوئها، الى العنف والقوة والعمليات الارهابية لتحقيق اهدافها؟ويصعب جدا على المسؤولين، عربا كانوا ام اسرائيليين، تجاهل الضغط الذي تمارسه هذه الجماعات عليهم، أو ضربها من أجل القبول بالحلول الوسط، أو التنازل عن بعض الحقوق او المكاسب، للوصول الى تسوية سلام سياسية. صحيح ان خروج شارون من الحكم في اسرائيل، يخدم عملية السلام، ولكن لا ليأتي، محله، بنيامين نتنياهو، ودعاة ترحيل الفلسطينيين عن الضفة وكل الاراضي الفلسطينية. وصحيح ان وحدة الصف والموقف الفلسطيني والعربي تساعد كثيرا عرفات على الوصول الى اتفاق سلام محقق لقسم كبير، لا لكل المطالب والحقوق الفلسطينية، ولكنه صحيح، ايضا، ان «تعيين» شارون او بوش لأعضاء الوفد الفلسطيني المفاوض، واستبعاد عرفات وتهديم كل بنى السلطة الفلسطينية، لا يساعدان، ابدا، على تقدم عملية السلام. ولا يقتصر هذا التنازع بين دعاة السلام العادل او الاقرب ما يمكن من العدل، على الجانبين العربي والاسرائيلي بل يمتد الى الولايات المتحدة، حكومة وشعبا، لا سيما ان عملية 11 سبتمبر، ادخلتهما بشكل مباشر ومنضو في الصراع العربي ـ الاسرائيلي. وما الموقف المنحاز والمؤسف الذي اتخذه الكونغرس الاميركي من السلطة الفلسطينية، او مظاهر انحياز اليمين المسيحي المتصهين الاميركي الجديد، لاسرائيل، لا سيما بعد عملية 11 سبتمبر، إلا مؤشرات على ان الحكومة الاميركية تجد نفسها، كما هي الحكومات العربية وحكومة اسرائيل، عرضة لتجاذبات قوية بين قوى راديكالية تعطل اي سلام، وقوى تريد السلام ولكن بشروط متضاربة. هل نحن سائرون نحو مؤتمر دولي للسلام في هذا الصيف، يجري التمهيد له، منذ قمة بيروت، وبالرغم من كل الاحداث والمواقف التي من شأنها تعطيله، او تفريغه من اي امكانية للنجاح؟ أم نحن سائرون نحو «مجابهة ما» توصل الشرق الاوسط الى حافة حرب شاملة، تضطر عندها الدول الكبرى الى فرض سلام عربي ـ اسرائيلي، بشروط غير عربية وغير اسرائيلية؟ الاحتمالان واردان.

من الأقوال المأثورة، ان اسرائيل لا تفوت اي فرصة اقليمية او دولية، دون الاستفادة منها، واننا، نحن العرب، مصرون على تفويت كل فرصة تعرض لنا، ولعل السبب هو في اننا ننفعل امام الاحداث وننطلق من انفعالاتنا لاتخاذ مواقفنا ورسم خططنا على المدى القصير جدا، واليوم، ليس كالبارحة، ولا العالم، والولايات المتحدة، بالذات، هما، اليوم، ما كانا عليه، من قبل، واذا كانت مصلحة اسرائيل الراهنة هي في تعطيل اي حل سلمي، على اساس مؤتمر مدريد او اتفاق اوسلو او مقترحات كامب ديفيد وطابا، وانتهاز فرصة هذا التأييد الاميركي الشعبي لها، و«حالة العالم» بعد 11 سبتمبر، للتقدم في تنفيذ مشروع اسرائيل الكبرى، فان اولى مقتضيات المصلحة الفلسطينية والعربية، هي منع هذا التقدم، قبل اي شيء آخر، وبكل الوسائل.

ان الانتصار، في النهاية، هو للحق، وان قضية الشعب الفلسطيني، لا بد ان تنتصر، آجلا أم عاجلا، ولكن ايا كان الاتجاه الذي سوف تتخذه الاحداث والمساعي الدولية، فان الضمان الوحيد لصمود الفلسطينيين ولنجاح اي مؤتمر دولي في تحقيق السلام، انما هو وحدة الصف والموقف الفلسطيني والعربي، في مفاوضات السلام او المؤتمر الدولي، وهو، ايضا، وقف اعمال العنف والارهاب مؤقتا على الاقل.

ان اسرائيل، ولا سيما بعد اجتياحها للضفة، باتت في نظر العالم «دولة فوق القانون والدول»، اي دولة يحق لها ما لا يحق لغيرها، اي دولة ترفض الشرعية والقوانين الدولية، ولا بد من ان يكتشف العالم هذه الحقيقة، وان يحاسب اسرائيل عليها، بل وان يكتشف اليهود انفسهم كم اخطأوا في اقامة هذه الدولة في قلب العالمين العربي والاسلامي، وجعل انفسهم اعداء تاريخيين ودينيين وقوميين للعرب والمسلمين، لكن هذا الاكتشاف لن يأتي، عفويا، او طوعيا، واذا بقي الفلسطينيون والعرب والمسلمون على ما هم عليه، اليوم من انقسام وتفرق كلمة وصفوفا، واذا لم يستبدلوا مواقف الانفعال وردة الفعل بالمواقف النابعة من العقل والتخطيط والمعرفة والعلم.