نعم نحتاج إلى فضائية تخاطب الغرب ولكن..

TT

يفاجئني كثير من الكتاب والمحللين عندما يتحدثون دون انقطاع عن مشروع لفضائية عربية تنطلق الى العالم لتحمل اليه الهم العربي والحلم العربي وتمتعه في لياليه بحكايات شهرزاد التي تسكت عن الكلام المباح كلما حلّ الصباح.

لا يهم ان تبث هذه الفضائية العربية من «جبل علي»، أو من «دريم لاند» المهم ان تكون قناة غير رسمية وغير ناطقة باسم هذه الدولة أو تلك، واذا أمكن تتجنب الايحاء للمشاهد بأنها عربية وتكتفي بقول الحقيقة ونقلها بالصوت والصورة في حواراتها ونشراتها الاخبارية.

ومع علمي ان مثل هذه القناة الفضائية لن ترى النور قريبا، وربما لوقت بعيد، فان ما هو مثير حقا هو التركيز على مثل هذه القناة باعتبارها النافذة الوحيدة التي يمكن ان نطل منها على العالم.

لدى العرب سفراء وسفارات وانشطة دبلوماسية، ومراكز ثقافية تنتشر في انحاء مختلفة من العالم، ولعل من المفيد السؤال عن دور هذه المؤسسات.

ثم عن مئات الوف الشبان من خريجي جامعات اميركا والغرب والذين عادوا الى اوطانهم يحملون اعلى الشهادات في مختلف الاختصاصات لقد عاشوا في اميركا وفي بلاد الغرب سنوات عديدة، واستطاعوا ان يؤسسوا لصداقات عميقة مع ابناء تلك البلدان، عرفوهم خلالها على الثقافة العربية والسلوك العربي ومواصفات من خلق قويم للانسان العربي واخلاقياته.

وكواحد من خريجي احدى هذه الجامعات، حيث امضيت وقتا طويلا في الولايات المتحدة الاميركية كان لي عشرات الاصدقاء من الاميركيين يصغون بعقل مفتوح للحديث حول القضايا العربية وكان تفوق اكثرنا في الدراسة يثير اعجاب الطلاب والاساتذة على حد سواء. كنا نقيم الحفلات والمهرجانات ونغتنم كل المناسبات لنعبر عن وجودنا وتواجدنا واذكر زميلا لي لبنانيا كان لا ينقطع عن القاء الخطب في كنائسهم وفي نواديهم وفي مراكزهم الثقافية كل من عرفه أحبه.

وأذكر عبر برنامج اذاعي كنت اقدمه من شمال كاليفورنيا باللغة العربية للمهاجرين العرب وباللغة الانكليزية للاميركيين، كيف كان المستمع الاميركي يصغي جيداً وهو يتعرف على حضارة مشرقية تشده اليها بكل اشكالها الملونة والفولكلورية. كانوا يحفظون الأغاني العربية وتسحرهم الموسيقى العربية حتى ان بعضهم حاول ان يتعلم العربية.

مئات الألوف من الطلاب العرب من الاطباء والمهندسين ورجال الاقتصاد والقانون، ومختلف العلوم والفنون، عادوا الى بلادهم وتركوا هناك اصدقاء يحبونهم وبعض هؤلاء العائدين يحتلون اليوم مراكز عالية في بلدانهم مثلما يحتل أولئك هناك مواقع مهمة.

كان ذلك قبل ربع قرن، ومنذ ذلك الحين تخرجت أجيال انشأت علاقات وصداقات، مثلما دخلت اجيال أخرى الى جامعات الغرب ومعاهده، وهؤلاء جميعا يمكن ان يكونوا سفراء حقيقيين لبلادهم، وأفضل شارحين لقضاياها حين تسود الكثير من الحقائق المغلوطة عن هذه القضايا. ان الغرب، عموما، بحاجة الى شرح وجهة نظرنا، وان يتعرف على حقيقة ماذا يدور اليوم في الشرق الاوسط من جنون سببه الاول والأخير سوء فهم شعوب تلك البلدان لابسط الحقائق والبديهيات ولأنهم يسمعون فقط من طرف واحد ويصل اليهم صوت واحد. وما دام الحل كله كما يعترف القريب والبعيد بيد اميركا، واميركا وحدها هي القوة الوحيدة القادرة على ان ترغم اسرائيل على تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وانهاء الاحتلال واعادة الحقوق الى اصحابها فإن اميركا ليست فقط رئيسا وليست فقط حكومة وليست فقط مجلس شيوخ ونواب، انها شعب يحرك كل هذه المؤسسات جميعاً اذا شاء ومتى أراد. وقد اهملنا نحن هذا الاتصال والتواصل وأجدر من يستطيع ان يؤديه اليوم هم مئات الألوف من الخريجين العرب الذين عاشوا في بلدهم وتخرجوا في جامعاتهم. وان الدعوة اليوم مفتوحة لتكون في كل بلد عربي رابطة لخريجي الجامعات الاميركية ثم يقوم اتحاد عربي لخريجي هذه الجامعات ومثل ذلك للجامعات الغربية وبالعقلانية والتنظيم والتحرك الواعي والمدروس نستطيع ان نصل ما انقطع من جسور كان يمكن ان تكون لنا عوناً في وقت الشدة وسند في زمن الحاجة، وهو مشروع لا يحتاج الى تمويل ضخم كالتمويل الذي تحتاج اليه فضائية عربية، واذا قامت مثل هذه الفضائية فستكون لها على الأقل نواة من المشاهدين هم هؤلاء الذين نعرفهم وقد تواصلنا معهم من جديد ويملكون الدافع والحافز ليستمعوا الينا ويصغوا باهتمام وانتباه.

* كاتب واعلامي سوري