تهم وتهجمات... وملفات غير نظيفة!

TT

يحتار العربي في امر المؤسسة السياسية التي تصنع القرار في الولايات المتحدة، وكيف ان هذه المؤسسة بتفرعاتها تتصارع حول قضايا كثيرة ويسود الخلاف بين هذه التفرعات حول امور كثيرة إلا ان افراد هذه المؤسسة متكاتفون ومتضامنون مع ما يرضي اسرائيل التي هي في استمرار على باطل ومعتدية. وضد ما يخص العرب وحقوقهم الذين هم دائماً على حق. يحتار العربي ويتساءل: هل ان هؤلاء الافراد مرتَهنون بالكامل للصهيونية ولذا فإن مواقفهم دائماً ضد الحق والحقيقة، أم انهم غير مقتنعين بالنهج الاسرائيلي ومنزعجون من سلوك الحكومات الاسرائيلية إلاَّ انهم وما داموا يتطلعون الى البقاء في مواقعهم، نواباً في البرلمان او شيوخاً في مجلس الشيوخ، فإنهم لا يستطيعون الفكاك من الشروط الاسرائيلية التي يتم فرضها عليهم من اجل الفوز باصوات اليهود لتصب في صناديق الاقتراع. ومن اجل الرضى عنهم يأتيهم بشكل مساندات مالية واهتمامات إعلامية حيث ان الماكينة الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة ونقصد بها الماكينة الإعلامية من مقروء ومرئي، هي بين ايدي اليهود.

الى جانب هذا الواقع هنالك ملفات العدد الاكبر من هؤلاء والتي تلوِّح الصهيونية بنبشها وكشفها في الوقت المناسب اذا كان هذا النائب او ذاك «السناتور» لا يلبي المطالب والتي هي في معظمها ضد العرب. كما هنالك الاعتقاد بأن الصهيونية تختار في استمرار من بين الطامحين الى العمل السياسي ليكونوا نواباً او شيوخاً او حكام ولايات او رؤساء بلديات، الاشخاص الذين في تاريخهم علامات سوداء، الامر الذي يعني ان هذا التاريخ غير نظيف وما دام كذلك فإن الاستفادة من مثل هؤلاء الاشخاص تتحقق عند الحاجة، اي بما معناه ان الصهيونية تهدد هذا النائب او ذاك «السناتور» بالكشف عن تاريخه في حال انه سيرفض التوقيع على عريضة تطالب الادارة الاميركية بإنزال العقوبات في حق سورية او العراق او لبنان او ايران. كما انها تهدد هذا النائب او ذاك «السناتور» في حال انه سيتردد في طلب التصويت على قرار يخدم اسرائيل وبحيث تبدو، وهي المخطئة، انها على حق، او أن المعتدى عليه هو المسؤول وليس اسرائيل المعتدية.

وتعزيزاً لما نقوله هنا نشير الى بعض الوقائع المؤكدة التي توضح نوعية هؤلاء الاعضاء في الكونغرس الذين يكيدون للعرب ولا يتركون اساءة إلا ويتم الصاقها بكل ما هو عربي، وكل ذلك من اجل خدمة اسرائيل. فمن اصل 535 عضواً من الكونغرس الذي يضم المجلسين: مجلس النواب ومجلس الشيوخ، هنالك 29 في تاريخهم تهمة ضرب نسائهم و7 في تاريخهم تهمة النصب و19 في تاريخهم تهمة اعطاء «شيكات» من دون رصيد و117 في تاريخ كل منهم تهمة تفليس شركتين على الاقل و71 في تاريخهم ان سمعتهم لا تسمح بحصولهم على بطاقة ائتمان (الكريدت كارت التي هي رمز التعامل المالي في اميركا) و14 في تاريخهم تهمة تعاطي المخدرات و8 في تاريخهم تهمة السرقة والنشل من محلات و21 في تاريخهم دعاوى ضدهم لا تزال قائمة الى الآن و84 في تاريخهم الحديث (اي العام 2001) تهمة قيادة سياراتهم وهم مخمورون.

وقد يقال هذه اميركا وهذا هو المجتمع الاميركي وأن ما نراه سيئاً هو أمر طبيعي في بلاد العم سام. لكن من حقنا ان نقول بأن هؤلاء الذين يتصايحون ضدنا ويصل التصايح من جانبهم الى حد الهستيريا والمطالبة بتطبيق اقصى العقوبات علينا بحجة ان العرب والمسلمين هم مصدر «الارهاب» لأنهم يطالبون بحق مغتصَب وحقوق مستباحة، او بحجة ان مساعدات تقدمها هذه الدولة العربية او تلك، او تبرعات يجمعها هذا الشعب العربي او ذاك لمؤازرة شقيقهم الفلسطيني الذي دمر له الشارونيون بيته وقتلوا اطفاله وشتتوا شمل عائلته انما هي لخدمة «الارهاب» و«الارهابيين»، او بحجة ان بضعة سطور نابعة من الوجدان كتبها السفير السعودي الشاعر الدكتور غازي القصيبي تمجيداً لـ«الجانداركية» الفلسطينية متمثلة في اشخاص المناضلات وفاء ادريس ونورا شلهوب ودارين ابو عيشة وآيات الاخرس وعندليب طقاطقة اللواتي وغيرهن وغيرهم من قبل ومن بعد يفتدون الوطن باجسادهم، إنما هو نوع من التشجيع لـ «الارهاب» ويستحق إنزال العقوبة بهذا السفير الشاعر كأن يتم كسر قلمه او وجدانه او قلبه لأنه يتصرف كإنسان ولأنه من الدولة التي ينسى اولئك الضالون أنها تحتضن الاماكن المقدسة، والتي اذا قررت كدولة وكشعب اعتماد الغضب لأصاب الهيبة الاميركية ما سبق ان اصاب الهيبة السوفياتية في المنطقة من قبل.

ونحن عندما نستحضر المواقف كثيرة السوء التي يسجلها الكونغرس الاميركي في حق القضايا العربية نجد أنه ليس هنالك موقف منصف واحد، وهذا يخالف قاعدة المنطق التي ترى انه ليس هنالك امور حسنة بالمطلق او سيئة بالمطلق وإنما هنالك في كل من هذه الامور ما هو القاعدة وفيها ما هو الاستثناء. ولكن شيوخ ونواب الكونغرس لا ينظرون الى الامور إلاَّ بالعين الاسرائيلية. ومع انه كان من المفترض بكثيرين زاروا المنطقة وأحدثهم بعض الشيوخ الذين وجدوا من الترحيب والكلام الموضوعي خلال زيارات قاموا بها الى كل من العراق (قبل اجتياح الكويت) وسورية ولبنان (قبل بضعة اسابيع)، ان يقفوا على منبر الكونغرس ويقولوا الكلام الذي يرضي الضمير والوجدان، إلاَّ ان هؤلاء كانوا ينتهزون الزيارات لتسجيل مواقف ضد هذه الدول التي زاروها، مع ملاحظة ان هذه الزيارات كانت تتم في معظم الاحيان قبل الانتخابات الأمر الذي يعني ان الهدف من الزيارات لا يكون من اجل الاستطلاع النزيه وإنما من اجل ممالأة الصهيونية لكسب الاصوات في الانتخابات وتحقيق بعض المصالح.

وإذا جاز القول فإننا نرى الفرصة مواتية امام الكونغرس لكي يعيد معظم اعضائه النظر في مفاهيمهم للقضايا العربية وذلك في ضوء زيارة ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز والمحادثات التي اجراها مع جورج بوش الابن في مزرعة الرئيس الاميركي في «كراوفورد» يوم الخميس 25 ابريل (نيسان) الماضي، وكذلك في رؤية الامير التي انتهت مبادرة اقرتها بالإجماع القمة العربية الدورية الثانية في بيروت يومي 27 و28 مارس (آذار) الماضي. ونقول ذلك على اساس ان تلك الزيارة اتسمت بأجواء فرضت نفسها عليها الحكمة التي عرض فيها الامير عبد الله الامور مع تركيز على المحاذير ورؤية في العمق لما يمكن ان تنتهي اليه الامور في حال استمر الانحياز الاميركي لاسرائيل. كما اننا نرى الفرصة مواتية امام الكونغرس لكي يتأمل اعضاؤه وبنظرة تتسم بالتعقل والحياد في البيان الذي صدر عن القمة المصرية ـ السعودية ـ السورية في شرم الشيخ يوم السبت الماضي وكيف ان الرئيسين حسني مبارك وبشار الاسد والامير عبد الله بن عبد العزيز اوردوا في بيانهم ما سبق ان ارهقتنا الادارة الاميركية واعضاء الكونغرس، وبالذات من هم على درجة حادة من التصهين، بمطالبة صدوره. وفي هذا البيان اعلن القادة الثلاثة «رفض العنف بجميع اشكاله» وبذلك لا مجال من حيث المبدأ بعد الآن لأي كلام يتسم بالتجني يصدر عن اعضاء الكونغرس ولا حجة من حيث المبدأ لدى الرئيس جورج بوش الإبن لكي يقول انه لا يستطيع اتخاذ الخطوة العادلة في ما يتعلق بالصراع العربي ـ الاسرائيلي لأن سيف الكونغرس المتصهين باكثرية اعضائه مسلط فوق رأسه. وهذا ما سمعه الامير عبد الله من الرئيس بوش في صيغة ما.

ونخلص الى القول ان الملف الشخصي لمعظم الذين يتهجمون علينا من على منبر الكونغرس وعلى صفحات الصحف ومن وراء الفضائيات وخلال مؤتمرات وندوات، لا يجيز لهم اعطاء الدروس والنصائح وبالذات بعد محادثات مزرعة «كراوفورد» وبيان قمة منتجع «شرم الشيخ» يوم السبت الماضي. اذ كيف يمكن لأي من هؤلاء، ومعظمهم مرتَهن او برسم الابتزاز، ان يكون منصفاً، لكي يكون كلامه مسموعاً ومقبولاً. ولقد اوجز الشاعر العربي الأمر بالبيت الذي هو من نوع ما قل ودل عندما واجه حالة مماثلة فانتفض ليقول ان المذمة عندما تأتي من ناقص تكون بمثابة الشهادة للمذموم بأنه كامل... وفي ذروة الكمال.