عالم الجاسوسية الأميركي تحت المجهر

TT

زيارتي للمقر الرئيسي لـ«وكالة الاستخبارات الاميركية» (سي آي إي) وإعجابي بالسياج المحيط ذي التقنية العالية والاجهزة الشبيهة بالقابس الذي استخدمه جهاز الاستخبارات الروسية السابق (كي جي بي) كجهاز للتنصت، اعادت الى ذهني اول مواجهة لي في عالم الاشباح والجاسوسية. كان ذلك عام 1988 لدى انتقالي وزوجتي الى بكين، فعندما كنت على السلم لتعليق بعض الصور واللوحات على بعض الجدران في شقتنا الجديدة هناك، عثرت على ثقب صغير مغطى بشبكة من الاسلاك. امسكت بالمطرقة وضربت على شبك الاسلاك الدقيقة لأجد مجموعة من الاجهزة الكهربائية على احدها كتابة باللغة الصينية ترجمتها حرفيا «جهاز كهربائي حامل للصوت»، مما يعني ان اجهزة تنصت نصبت في شقتنا الجديدة. يبدو ان الكونغرس سيشهر مطرقته هو الآخر، فقد بدأ تحقيقا رئيسيا حول الـ«سي آي إي» خلال الاسابيع المقبلة. لا شك ان التحقيق المتشدد امر اساسي لأن هذه فرصة نادرة للحوار ومعالجة مشاكل عميقة في هذا الجهاز الذي تبلغ ميزانيته السنوية 30 مليار دولار. الحديث مع البعض في دوائر الاستخبارات الاميركية يشير بوضوح الى ان جواسيس الولايات المتحدة الذين اعتادوا على مهام حقبة الحرب البادرة مثل مراقبة الجيش السوفياتي، يعانون من عميلة التكيف مع مخاطر جديدة مثل منظمة «القاعدة» بزعامة اسامة بن لادن. هيمنت على الجواسيس ثقافة التخوف والنزعة نحو بيروقراطية خرقاء لتجنب المخاطر. جورج تينيت، مدير «وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية»، نفى ان تكون هجمات 11 سبتمبر قد عكست «فشلا استخباراتي». وعلى العموم، فإن تينيت، الذي احرز بعض التقدم خلال السنوات القليلة الماضية في اصلاح مشاكل الوكالة، يعرف افضل من غيره. اما آشتون كارتر، المساعد السابق لوزير الدفاع، فيلاحظ ان المنهج الوقائي القياسي في الجيش هو تعيين «فريق احمر» للتباحث ومن ثم التوصل الى طرق للهجوم الى جانب «فريق ازرق» ليكون مسؤولا عن تصميم الاجراءات والخطوات المضادة. اذا حدث ذلك بالفعل، فإن «الفريق الاحمر» ربما تنبأ بحدوث شيء مثل 11 سبتمبر، فيما كان من المفترض ان يفكر «الفريق الازرق» في خطوات مثل تعزيز ابواب قمرات القيادة. وصف روبرت بيير في كتاب مذكراته خلال عمله في السي آي إي فترة عمله في تاجيكستان خلال الحرب الاهلية الافغانية وطلبه ارسال شخص يتحدث لغة الداري او الباشتو لاجراء لقاءات مع اللاجئين الافغان بغرض جمع معلومات استخباراتية حول افغانستان، بيد ان الوكالة عرضت عليه ارسال فريق من اربعة اعضاء بغرض القاء تنوير عليه حول موضوع مختلف تماما.

تميزت حركة تينيت عقب 11 سبتمبر بالتشدد في تحمل مخاطر واعادة الانتشار في مواجهة خطر الارهاب. اما مدير العمليات، جيم بافيت، فقد زعم ان كوادر العمليات الذين يخضعون للتدريب الآن يساوون عشرة اضعاف عددهم قبل ست سنوات. التركيز الجديد على استخدام العنصر البشري في الاستخبارات امر اساسي لأنه افضل بكثير من اعتراض المكالمات الكترونيا بحثا عن اجابات حاسمة على اسئلة ملحة في مجال السياسة الخارجية الاميركية مثل: «هل ستشكل الصين تهديدا عسكريا؟ ما هي افضل السبل للسيطرة على الاسلحة النووية الروسية؟».

* خدمة «نيويورك تايمز» (خاص بـ«الشرق الأوسط»)