حول خطاب الأمير عبد الله في القمة العربية!!

TT

لكي لا تختلط الأوراق في خضم العواطف المتأججة والمتباينة، وتعمم الأحكام في ما أصاب الشارع العربي من خيبة انعكست بوضوح بعد ساعات من اعلان البيان الختامي لمؤتمر القمة، الذي رجح في مجمله علو نبرة انتصار التيار المعتدل. فالقضية التي نحن بصددها ـ داخل البيت العربي ـ لا تحتمل انتصاراً لهذا التيار او هزيمة لذاك. والله وحده يعلم ماذا ستحمل لنا الأيام القادمة من ردود أفعال سخط الشارع العربي الذي بدا وكأنه استقبل قرارات القمة بالمزيد من اتساع الهوة وفقدان الثقة بين الشعوب الثائرة وما تطمح اليه من قياداتها.

ولكي لا يأخذنا التيار الجارف لتعميم الأحكام بنتائج القمة سلباً بالمطلق، فلا بد لنا من وقفة موضوعية أمام الكلمة التي ألقاها الأمير عبد الله، والتي كان من الممكن ان تكون ورقة عمل تتمحور حولها معظم القضايا التي طُرحت نظراً لاحتوائها على معظم النقاط التي أثيرت، اضافة الى احتوائها على الكثير من الحلول التي كان من الممكن ان تُخرج المؤتمر من ذلك الاجترار الباهت الذي تضمنه بيانه الختامي.

صدق الخطاب:

بصدقه المعتاد خاطب الأمير عبد الله المؤتمرين في ختام كلمته:

«لقد قلت ما رأيته لزاماً عليّ تجاه ديني ووطني وأمتي العربية والاسلامية».

لن أنسى محيا محمد الدرة:

وقد كان خطاب الأمير عبد الله واضحاً أشد الوضوح عندما قال: «انني لا أزايد بما قلت، فلا ابتغي من ذلك غير وجه الحق سبحانه وتعالى، ولا اعتقد ان أياً منا سينسى ما عاش صورة الرعب والفزع التي ارتسمت على محيا محمد الدرة قبل ان يفارق الحياة».

لوم أمريكا:

الذي يبدو من الخطابات التي استمعنا اليها، كأنما هناك توصية بعدم الاتيان على ذكر امريكا.. لكن خطاب الأمير عبد الله قد تفرد بصراحته المعهودة، عندما خاطب أمريكا باعتبارها راعية للسلام، فأكد: «ان عليها ـ أي امريكا ـ ان تفهم معنى الرعوية التي تقتضي من الراعي التأكد من سلامة النهج الذي تسلكه العملية السلمية، ومحاسبة المسؤول عن انحرافها عن مسارها المرسوم».

قطع العلاقات مع إسرائيل:

وليس غريباً ان تصدر عن القيادات الاسرائيلية عقب البيان الختامي للقمة تصريحات تبدي فيها رضاها عن اعتدال بيان قادة العرب، وهذا ما لا ينطبق على خطاب الأمير عبد الله الذي كان دقيقاً وهو يتوجه بالحديث الى قادة الأمة العربية ويدعوها الى تحديد علاقاتها باسرائيل، فهو يرى بعدما حلّ في الأراضي الفلسطينية من ذبح لأبناء فلسطين واعتداءات على حرمات القدس:

«فمن الطبيعي ان يتم التوقف عن اقامة أية علاقات مع اسرائيل والغاء أي نوع من العلاقات والصلات التي نشأت في ظل عملية السلام التي استهانت اسرائيل بكل متطلباتها».

وقفة رجل واحد:

ولأنها قمة غير عادية بسبب ظروف غير عادية، نجد ان الأمير عبد الله يتحدث الى اخوانه القادة العرب ويدعوهم لأن يخرجوا بنتيجة تتناسب مع طبيعة الأحداث حينما قال:

«انني أيها الاخوة استثير المروءة والقيم والأخلاق العربية لدى كل منكم، وقبل ذلك اسألكم بعزة الخالق وجلاله ان تقفوا مع الحق ثم مع امتكم وشعوبكم وقفة رجل واحد».

لا.. للتهميش:

وكأن المسؤول السعودي الكبير قد استشرف النتائج التي سيسفر عنها المؤتمر، فخاطب المؤتمرين بشجاعته وفروسيته التي عُرف بها: «انني أعلن امامكم وأمام العالم بأننا في المملكة العربية السعودية ملكاً وحكومة وشعباً لا نرى الحلول في التهميش والقفز على واقعنا المعاصر، او في محاولة تسكين الجراح وامتصاص الغضب العربي والاسلامي».

لا.. للاستسلام:

كما تحدث الأمير عبد الله عن أهمية وخطورة الموقف الذي تمر به الأمة العربية فقال:

«ان الخيار أمامنا صعب ودقيق، ولكنه ليس خياراً بين استسلام مذل، وبين معركة تفرض علينا فرضاً دون ان يكون لنا أي ارادة في اختيار زمانها ومكانها.. وحتى اسلحتها».

حلول عملية:

أما عن المسؤولية حيال القضية المطروحة للنقاش، فأكد الأمير عبد الله:

«يجب ألا تنحصر مناصرتنا للاخوة الفلسطينيين في اطار الدعم المعنوي والسياسي، بل يجب ان تكون مساندتنا لهم بكل الوسائل».

مليار دولار للدعم:

وفي النهاية قدم الأمير عبد الله اقتراحاته العملية بانشاء صناديق الدعم الاقتصادي معلناً عن الرقم الذي قدمته المملكة العربية السعودية (ربع مليار دولار) على ان تتكفل الدول الأخرى بالباقي.

* * * الأصداء:

النقاط التي جئنا عليها من خطاب الأمير عبد الله، كانت موضع ترحيب واعجاب من الكثيرين، بل حتى في اثناء مناقشات وكلمات مؤتمر القمة نفسه قد أشيد بها الى جانب ان الفضائيات العربية التي نشطت في اجراء حوارات وندوات، قد جعلت من الخطاب السعودي في مقدمة اهتماماتها، لدرجة ان حنان عشراوي وهي تنحي باللائمة على بيان مؤتمر القمة الذي لم يذكر دور امريكا، قد استشهدت بخطاب الأمير عبد الله باعتباره الوحيد الذي نقد الولايات المتحدة الأمريكية.

أين الخلل؟

وما دمنا قد جئنا على نقاط مضيئة من خطاب الأمير عبد الله، لا بد لنا ان نتساءل إذن: لماذا خلا البيان الختامي لمؤتمر القمة العربي في قراراته من الحد الأدنى الذي كان يطمح اليه الانسان العربي؟

تعدد وجهات النظر:

لا شك ان اتساع رقعة وسائط الاعلام المختلفة، وظهور أصوات مختلفة الآراء والمشارب قد أجابت على الكثير من التساؤلات والبعض منها أوعزت أسباب النكوص التي مني بها الشارع العربي لعوامل كثيرة ومتشعبة ومنها.

* ان هناك رأياً يقول: ان هذا هو الحد الأدنى المسموح به باعتبار ان أية محاولة لتجاوز ما جاء في البيان، يعتبر اقتراباً من الخطوط الحمراء وغير المسموح بتجاوزها.

* وآخرون يرون ان عملية السلام برمتها هي عبارة عن صفقة اقتصادية تقدر بالمليارات تدفع لدول بعينها كانت عواصمها مراكز لانطلاقات في مواجهة اسرائيل فتخلت عن دورها نظير هذه الصفقات التي لا يوافق الكونجرس الأمريكي بتقديمها الا اذا تم الالتزام بشروط تصب بمجملها في صالح اسرائيل، بل ذهب البعض الى ان هذه المليارات لا تستفيد منها الشعوب الا بالنزر اليسير، بيد ان الجانب الكبير منها يذهب الى جيوب (المتصلحين) من عملية السلام على شكل صفقات تجارية تم احتكارها على أناس محددين يعرفهم الشارع العربي ولا يملك غير التنكيت عليهم!! ولذا فان القائمين على هذه الدول المستفيدة يصرون على عدم قطع علاقاتهم مع اسرائيل برغم فوران الساحات العربية بالاحتجاج عليها، متعللين ومتحججين بالالتزام بالمواثيق الدولية التي تحول دون تمكنهم من اتخاذ قرار المقاطعة، رغم انهم يعلمون علم اليقين ان اسرائيل لا تلتزم ولا تحترم القرارات الدولية.

* وظهرت آراء أخرى تبدي تخوفها من الفلسطينيين أنفسهم على ضوء التجارب السابقة حينما فتحوا قنوات سرية مع الصهاينة والأمريكان، ولما لم تأت الأمور وفق ما تريد قيادة السلطة الفلسطينية، فعمدت الى افتعال الأحداث التي تجري الآن في الأرض المحتلة، لكي تأتي قيادة السلطة مولولة أمام العرب لينقذوها بعد ان منيت كل طموحاتها مع الاسرائيليين والأمريكيين بالفشل.. وقد ورد في اكثر من منتدى اعلامي حديث مطول عن الفساد والصفقات المشبوهة في ممارسات السلطة الفلسطينية.

* وهناك من يرى ان الحديث عن المقاومة اللبنانية انما هو حديث مبتور لأنه لا يأتي على كل الحقائق التي مكنتها من تحقيق انتصاراتها.

* * *

* ولا نريد في ما نطرحه من آراء مختلفة ومتعارضة افرزتها طبيعة المرحلة الذهاب وراء مفرداتها المتباينة، والتي كانت موضع سجال عبر وسائط الاعلام في الأسابيع الماضية.. ولكننا نريد الوقوف أمام حقيقة صارخة وهي ان الانسان العربي في فلسطين يواجه الموت في كل ساعة، والذي يبدو ان الغليان سيزداد اكثر فأكثر، وسيسقط الكثير من الضحايا، ومن المستبعد ان تعقد قمة عربية أخرى لتلافي ذلك، وحتى لو افترضنا انها ستعقد ، فانها لن تتجاوز ما خرجت به علينا في قمة (21) اكتوبر.

* إذن لا بد من العودة الى النقاط التي تضمنها خطاب الأمير عبد الله للقمة والتي كان من الممكن لو انها طُبقت كما وردت لشكلت انعطافاً ايجابياً حقيقياً في معالجتها للأزمة الراهنة، ولكنها للأسف لم تتضح بشكلها وجوهرها ومضمونها الذي وردت به على لسانه في بيان القمة الختامي.

والسؤال: أما من وسيلة أخرى لجعل خطاب الأمير عبد الله يترجم بشكل عملي بعيداً عن الألاعيب السياسية والمصالح الميكافيلية والمتاجرة بدماء الشعب الفلسطيني ومشاعر الأمة العربية بأسرها؟! فكما تحدث خطاب الأمير عبد الله باخلاص.. يجب ان يُطبق بنفس الاخلاص لمواجهة الأحداث الدامية.