على العرب التفكير في الاتجاه المعاكس

TT

هذه هي اسرائيل التي تشحذ ميزانيتها من الكونجرس وتتسول المعونات من البيت الابيض وتستجدي اموال اليهود في اميركا واوروبا لتدفع مستحقاتها السنوية ورواتبها الشهرية لملايينها الخمسة بعد ان اغرتهم بالهجرة الى ارض الميعاد فلم يجدوا في الارض الموعودة إلا جهنم وبئس المصير يحترقون في اتونها ويتلظون بنارها ويكتوون في لهيبها. جاءوا إليها طامعين بالحلو فما ذاقوا إلا المرّ حالمين بالشهد فما وجدوا إلا العلقم.. حشرتهم وسط معسكر اعتقال ينتظرون دورهم عسكرا في جيش للدفاع عمره ما كان جيشا يدافع، بل هو دائما يهاجم ويغزو ويقتل ويفتك ويسفك ويدمر فوق ارض لا يعرف حدودها ولا لغتها ولا تاريخها ولا جغرافيتها، يزرع تحت تربتها الشوك وفوق تربتها الرصاص، يقابل الحجارة بالقذائف فينتصر على العُزَّل والآمنين وعلى النساء والاطفال، وعندما حارب وجها لوجه وجيشا لجيش في تشرين اندحر وهزم وشهد الأمرّين وان الله حق، وتراجع مكسورا يسحب قتلاه وخلفه طائراته الهاوية ومدرعاته المحروقة واسراه المهزومون، وصار قادته يصرخون وهم يبكون.. لقد انتهى كل شيء.. لقد انتهى كل شيء.. انها نهاية الحلم... انها نهاية الكابوس.

هذه هي اسرائيل التي خرجت من جنوب لبنان تحت ضربات رجال المقاومة الموجعة الذين امتلأت قلوبهم بحب الارض وطهر الارض واقسموا وهم يرفعون رؤوسهم الى السماء: الشهادة أو النصر والتحرير. هذه هي اسرائيل الفقيرة ذات الخمسة ملايين مهاجر يجاهرون بالعداء لقادتهم فيهددونهم بالقتل أو يقتلونهم ويتمردون على حكامهم لأنهم يخدعونهم في الحرب ويخدعونهم في السلام ويقيمون مستعمراتهم وسط المدن الفلسطينية يضعون لها قوانينها وانظمتها ويحملون السلاح ويطلقون الرصاص مثل أي عصابة خارجة على القانون والنظام. هذه هي اسرائيل.. في الكنيست يصرخون ويشتمون، يختلفون على العناوين العريضة وعلى التفاصيل، يرتابون ويشككون في مؤيدٍ ظاهره معارض وفي معارضٍ باطنه مؤيد فلا يقوم لاتفاق بينهم قائمة والحليف اليوم هو مناوئ غدا.

هذه هي اسرائيل.. وزعماء احزابها يُتهمون ويُحاكمون ويُحبسون وحاكم اليوم متهم غدا والمتهم بالامس حاكم اليوم.. هذه هي اسرائيل وهؤلاء هم العرب ثلاثمائة مليون.. تاريخ وجغرافيا ولغة وحضارة واصحاب رسالات سماوية وثروات تحت الارض وفوق الأرض، يملكون اكبر احتياطي للنفط في العالم، اموالهم طائلة وارصدتهم في المصارف العالمية اكبر من ميزانية اميركا، اسواقهم مفتوحة للبضائع والمنتجات الاجنبية، يشغلون مصانعهم ولا يكاد يكون هناك قطاع في الصناعة أو التجارة أو الزراعة أو البناء والعمران خارج الوطن العربي لا يصبّ فيه المال العربي. والسياح العرب ينامون في فنادقهم ويأكلون في مطاعمهم ويتفسحون في منتجعاتهم وليس هناك من فندق خارج الوطن العربي لا ينام فيه عربي أو مطعم خارج الوطن العربي لا يأكل فيه عربي. والسياحة في بلدان كثيرة لا تعيش إلا على السائح العربي والمال العربي.

طائراتنا، سياراتنا، دراجاتنا، قطع الغيار، والتبديل، تجهيزات المطبخ والحمام، ألعاب الاطفال أدوات التجميل وشفرات الحلاقة، الاقلام التي نكتب بها والورق الذي نكتب عليه يموله المال العربي ويشغله المال العربي... فكيف يكون العرب هم المستضعفين وكيف لا يقوون وهم ثلاثمائة مليون؟ وكيف يظلمهم من يفتح اسواقه لمنتجاتهم وبضائعهم ويشغل مصانعهم ويحرك مصارفهم ويرفع دخل افرادهم ويستخرج النفط من آباره ليصبها في محركاتهم وآلياتهم وسياراتهم ومواقد الدفء في بيوتهم.

هل يحتاج العرب ليأكلوا مما يزرعون ويلبسوا مما ينسجون الى قرار قمة عربية؟

هل يحتاج العرب ليتفسحوا في ارضهم الى قرار قمة عربية؟

هل يحتاج العرب ليفتحوا اسواقهم للمنتجات العربية الى قرار قمة عربية؟

هل يحتاج العرب ليعمروا مدنهم ويبنوا مساكنهم ويحولوا مشاريعهم ويزيدوا استثماراتهم الى قرار قمة عربية؟

هل يحتاج العرب لتكون ارصدتهم في المصارف العربية وقروضهم للمشاريع العربية الى قرار قمة عربية؟

لماذا دائما ينتظر العرب قرارات رسمية... ألا يمكن ان يتغير كل ذلك واكثر من ذلك بإرادة شعبية وبدون قمة عربية؟ ألم يأت الوقت الذي نبدأ فيه.. فنفكر في الاتجاه المعاكس؟!

* كاتب إعلامي سوري