لا دور لأطفال في حرب استقلال

TT

الاحد المقبل (29/10) تدخل انتفاضة الاقصى شهرها الثاني، ومنه ـ على الارجح ـ الى الشهر الثالث... فالرابع، والى ما شاء الله. اذ ان ما يستفاد من تصريحات بعض القيادات الفلسطينية الشابة (وابرزها: مروان البرغوثي، مسؤول تنظيم «فتح» في الضفة الغربية) يشير بوضوح الى ان «الانتفاضة مستمرة حتى الاستقلال» او «حتى الانسحاب الاسرائيلي الكامل من كل الارض الفلسطينية». هذا كلام قيل قبل قمة شرم الشيخ، وبعدها. وقيل ايضا قبل القمة العربية، وبعدها. وهو بالتأكيد ليس مفاجئا. فمن الواضح ان الشبان الفلسطينيين الذين شكلوا القاعدة الاساسية لتأييد العملية السلمية في غزة والضفة، في مواجهة التيار الرافض لها، قد نفد صبرهم وفاض بهم الكيل.

نعم، نفد صبرهم تجاه مراوغات اسرائيل في التسويف والمماطلة والاصرار على الانتقاص من الحق الفسطيني، مثلما فاض بهم الكيل ازاء امرين:

ـ صبر المفاوض الفلسطيني على مراوغات اسرائيل في المماطلة ثم مواصلة القضم من الحقوق الفلسطينية..

ـ وفي الوقت نفسه استمرار ظاهرة سوء الادارة وتصاعد اشكال الفساد، وهي الظاهرة التي كتم الكثيرون غيظهم تجاهها، وأجلوا المواجهة معها الى ان تنتهي معركة التفاوض مع اسرائيل بقيام الدولة المستقلة.

الآن اختلف الموقف، ومن الواضح ان القيادات الفلسطينية الشابة، خصوصا في حركة «فتح»، رأت في انتفاضة الاقصى فرصتها الذهبية للامساك بزمام المبادرة وعدم التراجع عن تصعيد المواجهة ضد اسرائيل. هذا لا يعني بالضرورة ان هذه القيادات تخلت عن احترامها لشخص الرئيس ياسر عرفات، او انها قررت التمرد عليه. كلا، الارجح ان القيادات الشابة تريد القول ان «الختيار» جرب طوال اكثر من سبع سنوات (منذ توقيع اعلان اوسلو في 13 سبتمبر/ايلول 1993) ان يحقق الاستقلال لشعبه عبر المفاوضات، فما حصد سوى مراوغة اسرائيل ومماطلتها، مدعومة برؤية اميركية عوراء، حتى في النظر الى مصالح اميركا نفسها، ناهيك من متطلبات استقرار المنطقة، والى ذلك ان الرئيس عرفات يجب ان يتيح الآن الفرصة لتجريب اسلوب آخر: المواجهة الطويلة النَفَس.

اسرائيل، من جهتها، تبدو مدركة للامر وتستعد له. هذا ما يستفاد من تصريح ادلى به امس الجنرال رون كيتري، كبير المتحدثين العسكريين: « اننالا نتحدث عن مغامرة قصيرة».. «المهم بالنسبة للجيش التحرك باتجاه اجراءات طويلة الاجل».

في المقابل، يستوجب الامر حسن استعداد فلسطيني ايضا. واذا كان هناك قرار استراتيجي بتطوير الانتفاضة الى حرب الاستقلال الفلسطيني، فان القيادات التي اخذت هذه المسؤولية التاريخية على عاتقها مطالبة ان تثبت بالفعل قدرتها على القيادة الميدانية. وفي هذا السياق، من الضروري ان تبادر هذه القيادات الى تنظيم عمليات الكر والفر، وان تحرص على تقليل الخسائر قدر المستطاع، وخصوصا بين شبان الانتفاضة، ليس هروبا من الاستشهاد ولكن حفاظاً على ثروة الشعب الفلسطيني في سواعد شبانه وعقولهم.

وفي السياق نفسه يجب الحيلولة دون وجود كل من هم تحت الخامسة عشرة في ساحات المواجهة. حقا، لماذا يوجد اطفال تتراوح اعمارهم بين التاسعة والرابعة عشر في مرمى الرصاص الاسرائيلي؟ اليس من الاولى ان يكون هؤلاء الاطفال والصبية في مدارسهم، يستعدون للمشاركة في معركة بناء الوطن في المستقبل؟ وهل من الضروري اعطاء الاسرائيليين فرصة الادعاء الرخيص بان «الفلسطينيين يستغلون الاطفال بغرض تشويه صورة اسرائيل»؟ لقد قتل جنود اسرائيليون دمويون محمد جمال الدرة بدم بارد بينما كان محتميا بوالده، ومن الوفاء لطفولة محمد ان يحافظ الفلسطينيون على اطفالهم، خاصة انهم لا يشكون من قلة في اعداد الشبان المنتفضين.

وثمة امر آخر يجب الاستعداد له، وهو ان الفلسطينيين سيعانون كثيرا، ليس فقط نزفا في الدم والارواح، فهذا بالتأكيد ثمن كل حروب الاستقلال، ولكن فلسطينيي غزة والضفة تحديدا هم الذين سيعانون في مواجهة تأثير الاغلاق والحصار وكل اشكال العقاب الجماعي الاسرائيلي التي عرفوها وخبروها جيداً، وبالتأكيد لن يعاني مثلهم احد، خصوصا اولئك الذين يبيعونهم كلاما حماسيا وتنظيرا ملتهبا! لكنها الحرب، ولكل حرب وقودها.