قراءة لبيان القمة العربية

TT

توصلت القمة العربية في القاهرة الى بيان ختامي وصفته اسرائيل بأنه يحمل تهديدا لها، على الرغم من اعلانها السابق عن ارتياحها للموقف المعتدل الذي تمارسه مصر في داخل القمة، وردت على هذا التهديد بقرار صادر عن مجلس الوزراء الاسرائيلي يقضي بوقف المباحثات السلمية على المسار الفلسطيني، ونجح ايهود باراك في اتخاذ هذا القرار في ظل المعارضة له التي قادها وزير العدل يوسي بيلين الذي يرى مع مجموعته في داخل مجلس الوزراء خطورة بالغة على اسرائيل من وقف المباحثات السلمية مع الفلسطينيين. اتضحت في داخل القمة العربية الطارئة 22/21 اكتوبر 2000م تيارات ثلاثة فرضت ثلاثة محاور للنقاش، قاد كل تيار دولة تدور من حولها مجموعة من الدول، وبدت معالم كل هذه التيارات الثلاثة من الكلمات التي القيت في الجلسة الافتتاحية العلنية.

التيار الاول يمكن ان نطلق عليه مسمى دعم الانتفاضة وعبرت عن هذه بوضوح ودقة كلمة ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز التي اعلن فيها ضرورة دعم انتفاضة القدس بالمال والسلاح والعمل الديبلوماسي، والادوار الشعبية المناصرة لكفاح الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي، وحمل الولايات المتحدة الاميركية مسؤولية التعنت الاسرائيلي، وتيار الدعم للانتفاضة مزج بدقة ومهارة بين الحسابات السياسية الرسمية في قمة السلطة، وبين الاحاسيس الوطنية في الانسان نفسه بالشارع العربي.

التيار الثاني يمكن ان نطلق عليه مسمى تهدئة الانتفاضة وعبرت عنه بوضوح كلمة الرئيس المصري محمد حسني مبارك وبرر هذه التهدئة لحماية الانسان الفلسطيني، واعطاء فرصة للمباحثات السلمية مرة أخرى استنادا الى ان السلام الاقليمي هو هدف موضوع في الاستراتيجية العربية التي تحقق التوازن بين جميع دول اقليم الشرق الاوسط.

التيار الثالث يمكن ان نطلق عليه مسمى الحرب وعبر عن الاصرار عليها مقاطعة الرئيس الليبي معمر القذافي للقمة التي عقدت بالقاهرة ومثل ليبيا فيها المندوب الليبي الدائم لدى جامعة الدول العربية.

متابعة الخطب التي القيت في الجلسة الافتتاحية حددت الانتماء الى كل من هذه التيارات الثلاثة، فالتيار الذي يدعم الانتفاضة تقوده المملكة العربية السعودية وتدخل تحت مظلته الجمهورية اليمنية والجمهورية السورية، اما تيار التهدئة فتقوده مصر وتدخل تحت مظلته المملكة الاردنية الهاشمية، والسلطة الوطنية الفلسطينية اما تيار الحرب فتقوده الجماهيرية الليبية وتتعاطف معه الجمهورية العراقية بالكلمة التي القاها عزة ابراهيم نيابة عن صدام حسين وخلط فيها بين اوراق كثيرة انتهت الى ضرورة اللجوء الى الحرب لتحرير كل الارض الفلسطينية.

لا شك ان حوارات دارت داخل الجلسات المغلقة حول هذه التيارات الثلاثة غمت علينا بسياج السرية المفروضة على الجلسات المغلقة، غير ان نتائجها وضحت من البيان الختامي الذي يؤكد نجاح التيار المطالب بدعم انتفاضة القدس ماليا بالصندوقين اولهما صندوق انتفاضة القدس لرعاية اسر وابناء الشهداء الفلسطينيين، وثانيهما صندوق الاقصى لحماية الهوية العربية للقدس وفك الاختناق المالي عن المناضلين الفلسطينيين الذي تفرضه اسرائيل بمحاصرتهم نتيجة لتبعيتهم للاقتصاد الاسرائيلي، وتبرعت السعودية للصندوقين بمبلغ 250 مليون دولار اميركي، بربع المبلغ المقرر للصندوقين.

يتضح من البيان الختامي الدعم الديبلوماسي من تأكيد القادة العرب على ملاحقة من قاموا بالاعمال الوحشية ضد الشعب الفلسطيني ويطالبون مجلس الامن بتشكيل محكمة جنائية دولية مخصصة لمحاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين تحت مظلة احكام القانون الدولي العام، وان الملاحقة العربية للمجرمين الاسرائيليين تستدعي تشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة دعما للقرار الذي اتخذته لجنة حقوق الانسان في يوم 19 اكتوبر سنة 2000م، ويطالب بيان القمة بأن ترفع لجنة التحقيق قرارها الى مجلس الامن والى لجنة حقوق الانسان لتضع امامها الاسباب التي ادت الى العنف في الاراضي الفلسطينية المحتلة ليصدر القرار منهما بتجريم المتسبب فيه وانزال العقاب عليه بصورة رادعة له.

تشكيل لجنة للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، يلغي القرار المتخذ في القمة الخماسية بشرم الشيخ والقاضي بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق برئاسة الولايات المتحدة الاميركية غير المؤهلة لهذا الدور لانحيازها الفاضح لاسرائيل، فتقع تحت طائلة المسؤولية لما حدث من عنف بصفتها راعية للسلام دون ان تراعي سلامة النهج في المفاوضات بتغافلها عن ردع أو لوم اسرائيل التي ادى تعنتها الى الخروج عن دائرة المفاوضات السلمية والدخول في الحرب ضد الشعب الفلسطيني.

قرر البيان الختامي للقمة العربية ان القادة العرب أكدوا التزامهم الكامل بالتصدي الحازم لاطماع اسرائيل الرامية الى التغلغل في العالم العربي بالتوقف عن اقامة العلاقات معها استنادا الى الاحساس العميق عند القادة والحكومات والشعب في العالم العربي بخطورة المرحلة الحالية التي تتطلب اتخاذ موقف عربي موحد يقف بصلابة امام التهديدات والتحديات الاسرائىلية، وجسدوا ذلك بالاعلان عن قطع جميع العلاقات مع الدول التي تنقل سفاراتها لدى اسرائيل من تل ابيب الى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل.

تحدث البيان الختامي عن كثير من القضايا الأخرى المتعلقة بالسلام الشامل، وتطهير اقليم الشرق الاوسط من الاسلحة النووية باخضاع اسرائيل الى معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية، وادخل في ميثاق الجامعة العربية بند يقضي باجتماع قادة العرب مرة كل عام، وعلى الرغم من اهمية هذه القضايا لا نريد ان نناقشها هنا لانها تخرج عن اطار العنف الاسرائيلي باطلاق النار على الشعب الفلسطيني الاعزل والمناضل، ويحتاج الى دعم عربي لانتفاضته الشعبية حتى يستطيع مواصلة كفاحه في سبيل تحرير الوطن الفلسطيني من الاحتلال الاسرائيلي.

ان الجهاد الفلسطيني بانتفاضة القدس يحتاج الى العمل على تحقيق امرين مهمين اولهما التأكيد للعالم بأن الكفاح الشعبي يناهض الوجود العسكري الاسرائيلي الذي يحتل ارض بلاده حتى تتعاطف شعوب الارض مع نضال الشعب الفلسطيني في سبيل تحرير ارض وطنه.. وثانيهما نقل حرب الشوارع من المدن الفلسطينية الى المدن الاسرائيلية حتى يكون الضرب موجعا لاسرائيل التي يتعذر عليها استخدام سلاحها الجوي وصواريخها خوفا على حياة اليهود وحفاظا على ممتلكاتها من مبان وطرق وغيرهما من المرافق. نحن نتعاطف كثيرا مع الدعوة المطالبة بتبرع كل مواطن عربي بدخله ليوم واحد لصالح المجهود الحربي للانتفاضة الفلسطينية، ولكننا ندعو الشعب العربي الى تبرع كل مواطن بنسبة %5 من دخله الشهري لصالح الانتفاضة الفلسطينية، لأن حرب الشوارع تحتاج الى نفس طويل حتى تحقق انتصاراتها، وتتطلب انفاقا مستمرا ولا سبيل لتغطيته إلا من خلال وعاء مالي له صفة الديمومة يتحقق بالخمسة في المائة التي يدفعها كل مواطن عربي من دخله الشهري لصالح النضال الفلسطيني، مع التحفظ بأن يكون الدفع لهذه الاموال بعيدا عن السلطة الوطنية الفلسطينية بايجاد قنوات لدفع هذه الاموال بصورة مباشرة الى المناضلين في الشارع.. وارجو بل وارجو الف مرة ان يتم الانفاق من الصندوقين اللذين اقر قيامهما مؤتمر القمة العربية بعيدا ايضا عن السلطة الوطنية الفلسطينية والدفع منهما للنضال بصورة مباشرة للمجاهدين في الشارع الفلسطيني، حتى يتم صرف هذه الاموال من قبل المقاتلين لسد حاجتهم الى السلاح أو غيرها من احتياجات تدعم الكفاح الشعبي ضد العدو الاسرائيلي.

ادعو لجنة المتابعة لبيان القمة العربية المشكلة من وزراء الخارجية العرب الى بذل الجهد الديبلوماسي المكثف ليتحقق تجريم رموز اسرائيل بجرائم الحرب والعمل على تقديمهم الى المحاكمة الدولية، صحيح قد يحول الحليف الاميركي لاسرائيل دون تقديم مجرمي الحرب الاسرائيليين الى المحاكمة، ولكن من الصحيح ايضا ان تجريمهم بجرائم الحرب يحط من مقدارهم ومقدار دولتهم اسرائيل ويصبحوا في مواضع الريبة الدولية تماما كسلوبودان ميلوشوفيتش الذي جرم بجرائم الحرب وحالت حليفته روسيا دون مثوله امام القضاء الدولي، وظل بالسلطة حتى اخرج منها خاسئا بالانتخابات وفر الى روسيا طالبا حق الايواء الديبلوماسي بها.

احب ان اضيف ان الاميركان العرب يقيمون قضية ضد بلادهم اميركا لشرائها ارضا باعتها لها اسرائيل في القدس لتقيم عليها السفارة الاميركية، وهناك فريق من المحامين تحت ايديهم «حجة» صك الملكية لهذه الارض تثبت ملكيتها لمواطنين فلسطينيين، وهذا يدعوني الى المطالبة من قبل لجنة المتابعة لبيان القمة العربية ببذل الجهد الديبلوماسي والانفاق المالي لخدمة هذه القضية حتى تتحقق ادانة اميركا بشراء ارض مملوكة لغير بائعها، ويدين اسرائيل بالتصرف في ارض بالبيع دون ان تكون مملوكة لها.. ان العمل العربي يحتاج اليوم اكثر من أي وقت مضى الى توحيد الجهود الرسمية والشعبية ضد اسرائيل لدعم الانتفاضة الفلسطينية حتى يتحقق لها النصر بتحرير ارض الوطن الفلسطيني.