تذكير جديد بالحقيقة المرة

TT

عندما تدعو إسرائيل امام العالم لـ«إصلاح الفساد» في السلطة الفلسطينية و«تعميق الديمقراطية» في الاراضي الفلسطينية، فهي تجانب الحقيقة، تماماً.. كادعاءاتها الكاذبة بالاستعداد للتعايش مع الفلسطينيين واحترام حقوقهم الانسانية والسياسية ومنها بطبيعة الحال حقهم في تقرير المصير.

وكما ظهر قبل بضعة ايام من دهاليز حزب الليكود المظلمة ان لا رغبة لدى حكام إسرائيل في وجود دولة فلسطينية بأي حدود كانت، اكدت الآلة العسكرية الاسرائيلية بالأمس من جديد حقيقة نظرتها الى الشعب الفلسطيني وحجم كراهيتها له، عندما عادت لأسلوب البلطجة والتدمير والاعتقال في مدينة جنين ومخيمها.

رسالة الأمس المكتوبة في جنين هي في الواقع عدة رسائل موجهة الى عدة جهات دفعة واحدة; الرسالة الاولى بالطبع موجهة الى القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وفحواها ان «السلام» الوحيد الذي تسعى اليه تل ابيب هو سلام «السيّد والمسود».. و«القوي والضعيف».

والرسالة الثانية موجهة الى العالم العربي، الذي سبق ان اكد مراراً وتكراراً استعداده الكامل للانخراط في مشروع سلام اقليمي حقيقي يقوم على مبدأ «الأرض مقابل السلام» كما انطوت عليه كل المواثيق والتفاهمات منذ مؤتمر مدريد، وانتهاء بلقاء شرم الشيخ الأخير. وفحوى هذه الرسالة ان تل ابيب هي وحدها «نقطة الدائرة» في اي ترتيب اقليمي. وبالتالي ينبغي ان تحتفظ وحدها بتحديد سقف اي مسعى عربي واي تفسير عربي للتفاوض والتفاهم، ومن ثم للتعايش.

اما الرسالة الثالثة فموجهة الى واشنطن، بالذات، على اعتبار ان تل ابيب اسقطت نهائياً من حساباتها اي اعتبار للاتحاد الاوروبي وللأمم المتحدة، التي تعاملت معها في موضوع جنين تحديداً على انها مجرد تابع ذيلي لواشنطن لا هوية مستقلة له ولا قيمة. هنا بالذات يفترض بواشنطن ان تتلقى هذه الرسالة وتتصرف بالجدية المفترض توفرها بمن يصر على انه «راع» للسلام الاقليمي الموعود. وما يحق للفلسطينيين والعرب انتظاره من واشنطن، الآن، رد فعل حازم على سلوكيات تهدد ليس بنسف قوة الدفع المتجهة نحو تبريد الاجواء فحسب، بل بنسف كل مقومات منطق التحاور مع جبار عاتٍ يرفض الحوار جملة وتفصيلاً.

صحيح ان التجربة المرة خلال الاسابيع القليلة الفائتة كشفت مدى الحاجة الى الإصلاح الداخلي في بنية السلطة الفلسطينية الطامحة الى تأهيل نفسها للتحوّل الى دولة، بيد ان ما تريده إسرائيل حقاً لا علاقة له البتة بهذا الأمر.

فإسرائيل لا تكترث بما يفعله الفلسطينيون بأنفسهم ولأنفسهم..

لا تكترث بالديمقراطية او الفساد او شرعية التمثيل...

لا تكترث إذا جاعوا او شبعوا...

انها مهتمة فقط بمنعهم من بناء اي كيان، وهذه هي الحقيقة المرة.