تغيير القيادة الفلسطينية

TT

ان الخطر الذي يمكن ان يقضي على السلطة الفلسطينية ليس القوات الاسرائيلية مهما فعلت بل هيكلها القيادي والاداري. هذا الكلام قيل كثيرا ومعظمه ردد في غرف مغلقة على اعتبار انه لا صوت يعلو على صوت المعركة، حتى اصبح الوضع صعبا بعد حصار القائد في مكتبه وتعطيل حكومته والحديث عن اصرار الاسرائيليين على اعتقال امين صندوقه المالي للكشف عن سر التنظيم.

ربما لم يسمعها البعض الا بعد ان اعلنها الرئيس الاميركي صريحة وعلى رؤوس الاشهاد، لا من خلال مراسليه زيني وباول، بأن على السلطة الفلسطينية ان تصبح ديمقراطية وشفافة وتنبذ العنف. ويهمنا بالدرجة الاولى الديمقراطية والشفافية لأن نبذ العنف امر وقعت عليه منظمة التحرير الفلسطينية ووليدتها السلطة الفلسطينية عندما قبلت ان تخرج من تونس الى غزة واريحا وشطبت بند استعمال السلاح من دستور المنظمة بموافقة اغلبية قياديي المنظمة.

فالخطر الحقيقي ان القضية بلا حكومة حقيقية وان القيادة بلا قائد عندما يأخذه الله او يحبسه شارون وامثاله. وهذا الخطر لا يتهدد الاسرائيليين لأنهم يتكئون على قوتهم العسكرية لا على وعود المرشحين للرئاسة، وبالتالي فالخطر مصوب لرأس الانسان الفلسطيني الذي وضع كل آماله في سلطة اليوم.. دولة المستقبل.

المطلب ليس اميركيا، بل فلسطيني بالدرجة الاولى والاخيرة بأن يعاد ترتيب وضع السلطة من حيث التراتبية والمسؤوليات والوضوح في كيفية عملها، خاصة في الجانب المالي. فالمانحون وهم ليسوا كثرا، يشتكون علانية من انه لا يمكن ان تقدم مساعدات من دون ان يعرفوا اين ذهبت. وهم يعتقدون انه لا بد من شفافية كاملة في كيفية صرف الاموال وان ينتهي عهد عقلية التنظيم السري الذي كانت تعمل به منظمة التحرير في المخابئ القديمة. ايضا هناك اصوات فلسطينية تقول ان المواطن الفلسطيني يريد ان يعرف هو الآخر ماذا يحدث في داخل سلطته واين تذهب اموالها التي هي امواله. وقد تكون الاصوات المرتفعة التي تطالب بالكشف والتعديل تريد الاساءة الى سمعة السلطة الفلسطينية وقضيتها، وحتى لو افترضنا صحة هذا الطرح، فان الحاجة تصبح مضاعفة للشفافية لقطع الطريق على مثيري الشبهات ولا توجد وسيلة أخرى لردعها الا بالانفتاح الاداري.

وهناك مشكلة قمة السلطة التي يعرف الجميع ان كل مفاتيحها مربوطة بيد الرئيس وحده، فهو الآمر الناهي. وبعد ازمة حصار المجمع الرئاسي في رام الله، صارت هذه المفاتيح من الخطورة ان تترك في يد واحدة مهما بلغ الرئيس من صلابة وقدرة على المواجهة. فاذا شاء الفلسطينيون ان يثبتوا للاسرائيليين ان حصار عرفات او التضييق على افراد في السلطة بلا تأثير، يتعين عليهم بناء نظام سياسي واداري منيع من الحصار، ومنيع من الانهيار، يقوم على توزيع واضح للصلاحيات يسهل على القيادة الحالية الحركة ويعفيها من مسؤولية ان القرار يتخذه رجل واحد.

بدون ان تتغير تركيبة السلطة وتعتمد الوضوح فانها لن تجد من يساندها في اول ازمة مقبلة وستجد الاصوات المشككة في أهليتها للحكم وسلامة ادارتها للاموال الممنوحة حججا لمحاسبتها وبالتالي صرف النظر من قضية طرد المحتل الى اصلاح حال السلطة.