أيام زمان، أيام البراءة

TT

هناك مؤامرة عالمية تأتي في اطار العولمة عازمة على تدمير براءتنا. كان احدنا يتصور بكل عقله ومن كل قلبه ان ما يدفعه من ضريبة للبلدية يصرف على اهل البلد. لا يدرك خطأه الا بعد ان يكون قد تجاوز الخمسين اوالستين. وكان لي عم قضى كل حياته في العزوبية خوفا من عرق النسا لأنه كان يتصور ان عرق النسا يأتي من النساء. وكان هناك ضابط شرطة في البصرة لا يجيب على التلفون الا بعد ان يلبس سترته العسكرية ويمسك الكرباج بيده اليمنى والخيزرانة بيده اليسرى. في ايام الصبا والمراهقة كنا نعتقد ان الطفل يخرج من بطن امه من سرتها، كنا نقول، والا فلماذا خلق الله تعالى السرة؟ لم يخطر لنا قط ان نتساءل فنقول، ولكن نحن ايضا الذكور عندنا سرة؟ بيد ان الأنسان عندما يعيش على الفطرة والبراءة لا يسأل مثل هذه الأسئلة. وهذا سر تحمله للظلم. فهولا يسأل: من نصب هذا الظالم حاكما علي؟ و: لماذا لا أجرد سيفي واطيح به.

احلى ما في الطفولة براءتها واعتقادها بالعفاريت والبساط السحري والسندباد البحري. وكلما امتد اعتقاد الطفل بهذه الخرافات بشر بحياة نفسية منشرحة ومتفائلة ومستقرة. (وهذه حقيقة علمية وليس قشطينية) وهذا هو سر كل هذه التصريحات المتفائلة والمطمئنة التي نسمعها من معظم زعمائنا. فهم ما زلوا يحافظون على براءة الطفولة والايمان بقنديل علاء الدين وخاتم سليمان.

بيد ان اهل الخير قرروا في الأخير اخراج الناس من هذه البراءة. كان الصبي الانكليزي يصل سن المراهقة وهو يتصور ان عضو الذكر مجرد ماصولة. ولكنهم في الستينات طبعوا له ما سمي بالكتاب الأحمر، وهوغير الكتاب الأحمر لماوتسي تونغ، وإن صدر في نفس الوقت. الكتاب الأحمر الانكليزي الذي طبعت منه ملايين النسخ اهداها الآباء لأولادهم، راح يعلم الصبيان، والصبيات ايضا، كل ما يتعلق بهذه الماصولة من حقائق ومن اوهام. وماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت كل هذه الفوضى التي يرفل بها المجتمع الغربي الآن. نصف من يولد في بريطانيا الآن لا يولد شرعيا. ولا شك ان وزير الضمان الاجتماعي يعض على اصابعه الآن ويقول: يا ليتنا وزعنا على اولادنا كتاب ماو تسي تونغ، اوحتى كتاب المسلمين، بدلا من هذا الكتاب الأحمر.

ابوا ان يتركونا على براءتنا. وصلت الثالثة من عمري وانا ارضع من ثدي امي. ولكنهم الآن يعلمون الطفل على اكل الشوربة في الشهر الثالث ومضغ الكبدة واللحمة في السادس. ولا يبلغ الرابعة الا ودسوا امامه جدول الضرب. وبعد عامين او ثلاثة، يشترون له اسهما وسندات ويعطونه الفايننشال تايمس ليتابع اسعارها.

توصل اخيرا احد عفاريت المال الى ان الطفل يضيع كثيرا من الوقت في بطن امه فابتدعوا طريقة لتعليمه اثناء ذلك. بالطبع كان هذا في امريكا حيث يحتاج الناس لوقت اطول ليتعلموا أي شيء. اخذوا يوزعون كاسيتات فيها موسيقى مخلوطة بحسابات اولية مثلا : 1+1=2 و2+2=4 على اساس ان الجنين يلتقط ذلك من بطن امه. والظاهر ان النتائج كانت مشجعة كثيرا فقد تعلمت بالفعل كثير من الأمهات الأمريكيات كيف يحسبن بدون استعمال اصابعهن.