حفلة صراع الديكة

TT

استجمعت كل ما عندي من ارادة الصبر من اجل اكمال حلقة من حلقات صراع الديكة في احدى الفضائيات العربية التي تتفنن في الردح والشتيمة. ساعة كاملة من تقييم الوضع العربي والفلسطيني بشكل تهريجي وانفعالي وبعيد عن اصول الحوار، وادب المناقشة، حفلة من جلد الذات وتسفيه الامة، وتخوينها، واسقاط كل ما هو جميل في حياتنا.

النتيجة التي خرجت بها تلك المناقشة، اننا جميعا ضالعون في مؤامرة، فالمبادرة السعودية للسلام وكل ما فيها من بنود هي مؤامرة صهيونية، امبريالية، وما حدث في الاراضي المحتلة هو مجرد اتفاق بين اسرائيل وياسر عرفات، وكل القادة الفلسطينيين متآمرون وجواسيس لاسرائيل، وكل الحكام العرب الذين تم تسميتهم بالحكام الناطقين بالعربية هم عملاء لاسرائيل.

مقدم الحلقة التي يفترض ان تكون نقاشية، تنتفخ اوداجه ويبدو مثل بائعي الخضار في الاسواق الشعبية المزدحمة، يروج لبضاعته بشكل ابتذالي، ويصاب بالنشوة كلما زادت الشتيمة، واستمرت حفلة التخوين والعمالة.

هناك متآمرون داخل كنيسة المهد، ومتآمرون آخرون داخل مقر عرفات، وحتى اولئك الاوروبيون والاميركيون المعتصمون داخل الكنيسة، وداخل مقر الرئاسة، هم جواسيس ارسلتهم المخابرات المركزية الاميركية.

والاخطر من كل ذلك هو تحريض الشعب الفلسطيني ضد الشعوب العربية وترديد تلك الاسطوانة المشروخة بان الشعوب العربية متفرجة ولا يعنيها الدم الفلسطيني، واننا في النهاية مجرد امة مهزومة قياداتها خائنة وشعوبها نائمة وكفى الله المؤمنين شر القتال.

يتساءل المرء بكل جدية عن الهدف من مثل تلك الحوارات التحريضية والمثيرة لمشاعر الغوغاء، وتلك العقلية التي لا ترى في الحياة سوى مؤامرات، فليس هناك قضية عادلة، ولا شعوب عربية داعمة، ولا امم وشعوب حية متضامنة، وليس هناك سوى مؤامرات تأكل بعضها.

رحم الله احمد سعيد ولغته التحريضية، و«اسقطنا للعدو مئة طائرة»، فلقد اصبح ذلك الاعلام التحريضي اشبه بالحكمة والموعظة الحسنة عندما يقارن بهذا الاعلام المنفلت في بعض الفضائيات، وعلى يد محترفي الزعيق الذين لا يعنيهم امر امتهم، ولا مصالح شعوبهم، فالمهم عندهم هو استمرار صراع الديكة.