..المسؤولية أميركية

TT

لا اكثر من وقف متأرجح لاطلاق النار، هذا كل ما هو متوقع في هذه المرحلة، طالما ان بديل شارون المرتقب هو اما نتنياهو واما شارون نفسه، وما دام ان الادارة الاميركية تبدو مترددة وخائفة، وربع خطوة الى الامام وعشرون خطوة الى الخلف، وايضا، طالما ان الحالة الفلسطينية «مُنْفلشة» على هذا النحو حيث السلطة الوطنية تغرد في واد و«حماس» تغرد في واد آخر.

وحتى وقف اطلاق النار المتأرجح فهو بحاجة الى موقف اميركي اكثر وضوحا وحسما، وهو بحاجة الى معادلة اسرائيلية غير معادلة زعيم يزايد على الزعيم الآخر بالتطرف واليمينية، كما انه بحاجة الى تفاهم فلسطيني داخلي واتفاق على توزيع الادوار بين «حماس» والسلطة الوطنية.

ثم والاهم من كل هذا، ان اي اتفاق على اي وقف لاطلاق النار بحاجة الى قوات دولية او قوات متعددة الجنسيات، يكون دورها المراقبة وتحديد الجهة المسؤولة عن اي خرق لوقف اطلاق النار هذا، وحقيقة ان هذه الامور جميعها صعبة التحقيق حتى يصبح بالامكان الانتقال من الدائرة الامنية الى الدائرة السياسية.

لكن لنكون غير سوداويين ولنفترض ان هناك امكانية لوقف اطلاق نار غير مزعزع، ولو لثلاثة شهور على الاقل، فهل هناك امكانية للحديث عن عملية سلام توصل المنطقة الى الحل المعقول والمقبول الذي ينهي الصراع في الشرق الاوسط؟! اذا اردنا تناول الامور من دون الاخذ بعين الاعتبار ان هناك امكانية لموقف اميركي غير الموقف المعهود والمعروف، فاننا سنخرج، حتما، بصورة سوداوية وقاتمة، اذ ان الحدود الدنيا التي تشكل آخر التنازلات الفلسطينية يعتبرها الاسرائيليون حدودا قصوى لا يقبلون بها، واذ ان خطة السلام العربية، التي عرض الملك عبد الله الثاني في محاضرته الاسبوع الماضي في معهد بروكنغز في واشنطن، خطوطا عامة كآليات لتنفيذها، تعتبرها اسرائيل مقتلا استراتيجيا غير مقبول.

لقد وصل الفلسطينيون والاسرائيليون الى مرحلة الانهاك بالفعل، لكن البون لا يزال شاسعا بين الطرفين ولا يزال السلام، خصوصا في عهد هذه الحكومة الاسرائيلية المحكومة بهذيان حزب الليكود، بعيد المنال اللهم الا اذا تخلت الولايات المتحدة عن ترددها وبادرت الى دور نشط وفعال يفرض وقفا لاطلاق النار بالقوة ويفرض كذلك مراقبين دوليين او متعددي الجنسيات وبعد ذلك يمكن الحديث عن مفاوضات على اسس غير اسس المفاوضات السابقة تفضي الى حل الحد الادنى المقبول من الطرفين.

في محاضرته الآنفة الذكر اشار الملك عبد الله الى ان عيب المفاوضات السابقة انها لم تحدد بوضوح طبيعة نهاية المطاف، وانها اجلت القضايا الصعبة والشائكة، والحقيقة ان هناك عيبا آخر وهو ان الموقف الاميركي المائع والمرتهن باستمرار للمواقف الاسرائيلية المتشددة قد افسح المجال للاسرائيليين للتملص حتى من ابسط استحقاقات المرحلة الانتقالية، فحدث ما حدث ووصلت الامور الى ما وصلت اليه.. فالمسؤولية اولا واخيرا اميركية ولا مجال للتفاؤل ما لم تحسم الولايات المتحدة الامر وتتخلص من سياسة الميوعة والتردد الحالية.