جولة بوش الأوروبية

TT

في اول جولة دبلوماسية رئيسية له منذ هجمات 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، سيزور الرئيس الاميركي جورج بوش اربع عواصم اوروبية الاسبوع الحالي على امل تعزيز التحالف الدولي ضد الارهاب. ففي باريس سيجد الرئيس بوش حكومة جديدة ليمين الوسط لا تشارك الائتلاف الاشتراكي ـ الشيوعي السابق توجهاته الآيديولوجية المناوئة للولايات المتحدة. اما في روما، فسيجد بوش اكثر حكومة مؤيدة له في ايطاليا على مدى ما يزيد على نصف قرن تقريبا. وفي برلين، ربما لا تبدو حكومة المستشار غيرهارد شرودر مؤيدة له تماما، لكنها في نفس الوقت لن تستطيع ان تظهر أي توجه مناوئ للولايات المتحدة. التوجه صوب اليمين في دول الاتحاد الاوروبي، الذي ربما يسفر قريبا عن تغيير في الحكومة الالمانية ايضا، سيفتح آفاقا جديدة لحلف شمال الاطلسي (الناتو) القديم. من المؤكد ان تقابل زيارة بوش بمظاهرات مناوئة في باريس وروما وبرلين، اذ من المعروف ان الاوروبيين لا يؤيدون رؤساء الولايات المتحدة المحسوبين على الجناح اليميني، على نحو اصبح معه هذا الموقف اشبه بالقاعدة السياسية تقريبا. فالرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان، رغم شعبيته الواسعة والمكانة المرموقة التي وصل اليها في اوساط الشارع الاميركي، لم يكن محبوبا في اوروبا، فيما لا يزال الرئيس السابق بيل كلينتون، الذي كان محل تشكيك وسط الاميركيين انفسهم، يتمتع بشعبية واسعة وسط الاوروبيين. المحطة الاكثر اهمية في زيارة بوش ستكون موسكو حيث سيوقع اتفاقا تاريخيا على خفض الاسلحة النووية مع نظيره الروسي فيلاديمير بوتين. وسيحاول بوش ايصال ثلاث رسائل محددة من خلال جولته المرتقبة. فأولا، سيؤكد بوش ان الولايات المتحدة تعتبر الجهود الرامية لاجتثاث الارهاب العالمي حربا حقيقية واسعة النطاق وليس استعراضا ثانويا، اذ يعني ذلك ان قواعد القانون تنطبق ايضا على دول اخرى. فتحذير بوش الذي اكد فيه ان دول العالم «إما مع الولايات المتحدة او ضدها» بات بمثابة سياسة دولية جديدة لواشنطن. وتتلخص رسالة بوش الثانية في ان الحرب الباردة قد انتهت، وان روسيا، التي اصبحت الآن عضوا مؤثرا في حلف شمال الاطلسي يجب ان تعتبر دولة حليفة، ذلك ان روسيا تلعب دورا مهما في افغانستان ومن الممكن ان تباشر دورا مماثلا في العراق. الرسالة الثالثة يمكن تلخيصها برغبة بوش في الحاجة الماسة الى التركيز على الاخطار الجديدة التي تهدد الامن والسلام العالميين غداة انحسار خطر الحرب النووية، اذ تشتمل الاخطار الجديدة على الارهاب وتخزين الاسلحة الكيماوية والبيولوجية من جانب انظمة لا تخضع لأي رقابة شعبية. تحليل الولايات المتحدة للوضع الدولي الراهن ليس بعيداً تماما عن الواقع، بيد ان المهم في الامر هو غموض السياسات التي تقترحها الادارة الاميركية ازاء العديد من القضايا الملحة والحاسمة. وهذه هي الحقيقة المهمة التي تحتاج بالفعل الى التركيز والدارسة خلال محادثات بوش مع القادة الاوروبيين.