لماذا تيمور الشرقية وليس فلسطين؟

TT

كان يفترض ان تكون الدولة الفلسطينية احدث عضو ينضم الى الامم المتحدة في الالفية الجديدة لكن سبقتها تيمور الشرقية التي تضم حوالي 800 الف نسمة رغم ان قضيتها لم تدخل دائرة الاهتمام والاجندة السياسية العالمية الا قبل حوالي 4 سنوات، في حين ان القضية الفلسطينية ساخنة على مدار عدة عقود والوسطاء يذهبون ويجيئون وهناك عشرات القرارات الصادرة من الامم المتحدة ومجلس الامن بشأنها اضافة الى عدد مماثل من المشروعات والافكار.

وتعود مشكلة تيمور الشرقية الى الاحتلال البرتغالي الذي انتهى عام 1975 ثم بسطت اندونيسيا سيطرتها على الجزيرة على عكس رغبة السكان، واستمرت المشكلة خافتة لا يسمع عنها احد حتى اواخر التسعينات خاصة بعد قضية كوسوفو التي يبدو انها شجعت السكان هناك على السعي الى الانفصال وادت الى مواجهات مع ميليشيات مسلحة مؤيدة للبقاء تحت الدولة الاندونيسية ثم نظم استفتاء من قبل الامم المتحدة اعرب فيه 90% من السكان عن رغبتهم في الانفصال واقامة دولتهم المستقلة.

ومثل اي مشكلة اقليمية فان استقلال تيمور الشرقية كان من الصعب ان يتحقق لولا وجود ارادة دولية قوية حرصت على دعم رغبة هذا الشعب ومارست ضغوطا مختلفة ادت الى تدخل الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء والمرحلة الانتقالية لحين اعلان الدولة، اضافة الى حملة دولية قادها بنجاح الراغبون في الاستقلال، وموقف عقلاني من الدولة التي كانت تسيطر على الجزيرة وهي اندونيسيا التي رأت ان خسائر التمسك بها ضد رغبة سكانها اكبر من السماح لها بالاستقلال مع علاقات جيدة مستقبلية لانه في النهاية لن تستطيع تيمور تجاهل جارتها الكبيرة في ضوء اعتبارات المصالح الاقتصادية.

ولا يختلف وضع الدولة الفلسطينية عندما تقوم عن وضع جمهورية تيمور الشرقية حاليا فهي ستحتاج الى الاعتماد على دعم دولي خارجي لحين ايجاد اسس اقتصادية تستطيع ان تعيش بها الدولة، كما ستحتاج الى بناء الكثير من المؤسسات الخاصة بكيان الدولة مع فارق كبير لصالح الدولة الفلسطينية هي انها خلال فترة السنوات الماضية منذ اتفاق اوسلو بنت تقريبا هياكل الدولة، وهي ما زالت الى حد ما قائمة رغم التدمير الاسرائيلي لها خلال الغزو الحالي للاراضي الفلسطينية.

ولا يقل الدعم او الرغبة الدولية في رؤية الدولة الفلسطينية تنهض وتصبح عضوا كاملا في الامم المتحدة عن حالة تيمور بل هو اقوى نتيجة الحاجة الى الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط الحيوية بالنسبة للعالم وايضا الشعور بالذنب تجاه المعاناة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني خلال العقود الخمسة الاخيرة من تهجير وتشريد واحتلال.

وكان يفترض ان تقود مسيرة المفاوضات الفلسطينية ـ الاسرائيلية بعد اتفاق اوسلو الى الدولة قبل عامين على الاقل، لكن اجواء التفاؤل التي سادت في اواخر التسعينات والتي وصلت ذروتها بالمفاوضات التي رعاها الرئيس الاميركي السابق كلينتون في كامب ديفيد تلاشت تماما وعاد المناخ السياسي 20 عاما الى الوراء.

بدون شك فانه اذا كانت هناك رغبة دفينة في اسرائيل في عدم رؤية الدولة الفلسطينية تقوم او على الاقل محاولة تأجيلها بقدر ما يمكن لحين تثبيت حقائق جديدة على الارض ومحاولة توسيع المستوطنات لا بد ان يقابلها مصلحة فلسطينية قوية في قيام الدولة في اسرع وقت ممكن بما يوفر الحماية الدولية لهذا الشعب.

ويحتاج الفلسطينيون من اجل تحقيق ذلك الى اتفاق اولا على اي دولة وباي حدود وتترك بعض القضايا الى وقت لاحق ثم بعد ذلك حشد القوى المؤثرة الدولية والرأي العام الدولي العالم وراءهم، فاسرائيل لن تستطيع مقاومة الضغط الدولي المكثف اذا توفرت الظروف المناسبة.

كيف يمكن تحقيق ذلك وما هي الادوات التي تحقق الهدف، هذا هو السؤال الذي يجب ان يكون هم كل القوى الفلسطينية ويتعين ايجاد اجابة موحدة له.