مائة بندقية فلسطينية

TT

لشيمعون بيريس، وزير الخارجية الاسرائيلي، قول مأثور عن الفارق بين السلطتين الفلسطينية والاسرائيلية يذكر فيه «نحن في اسرائيل نتحدث بمائة صوت ونحمل بندقية واحدة والفلسطينيون لهم صوت واحد ويحملون مائة بندقية».

ومن لم يفهم معناها يستطيع ان يستدل عليه من ازمة المعسكر الفلسطيني اليوم الموحد في رغبته السياسية والمنقسم على نفسه، كل يحمل بندقية مستقلة، فصائل وتنظيمات وقيادات داخل كل تنظيم... ملاحقة عناصر من «حماس» واعتقالات بين «الجهاد»، وحديث عن معارك بين قيادات السلطة، وجدل بين دحلان والرجوب وعصفور وغيرهم المشتتين في 17 جهازا أمنيا. اما الاسرائيليون فتسمع صراخهم كل يوم ضد بعضهم البعض، شارون يعرض ادارة بلدية للفلسطينيين، ونتنياهو يصر على حرمانهم من اي نوع من الاستقلالية، وباراك قيل انه عرض على الفلسطينيين دولة على 96 في المائة من الاراضي المحتلة، وبيريس يقترح 42 في المائة. وكل زعيم اسرائيلي يهدد بتقويض ما يفعله الآخر. مع هذا الاختلاف على مسائل اساسية فان جميع الاسرائيليين يسيرون وراء قيادة واحدة تقرر عسكريا وامنيا سياسة واحدة. وعلى الضفة الأخرى فان جميع الفلسطينيين يكادون ان يكونوا متفقين وبصوت واحد، سواء «فتح السلطة» او «حماس» او «الجهاد» او «الشعبية» او قيادات الامن او كبار المفاوضين او صغار الاداريين، جميعهم يتفقون على مبدأ تحرير الاراضي المحتلة كاملة، لكن في جيب كل واحد منهم مسدسه، ومعه رجاله، وله معاركه. وخلافاتهم في معظمها لا علاقة لها بتحرير الارض. هذا هو سر سنين طويلة من انضباط الصف الاسرائيلي وسبب فوضى الصف الفلسطيني. الآن تتعالى الاصوات، فلسطينية وعربية ودولية، تنادي بضرورة ترتيب البيت الفلسطيني وتحديدا الجانب العسكري والامني. وبطبيعة الحال لكل طرف غاياته من وراء هذا الطلب. انه غير معقول ان يكون هناك هذا الكم الكبير من الاجهزة والقيادات كما لو كانت السلطة الفلسطينية دولة عظمى، فهو يرمز الى ضعفها وتفككها. ومن الحماقة المخاطرة بكل هذه الاسلحة الموجهة في جميع الاتجاهات، حيث ندري عن بعض المعارك الدامية التي عانت منها بعض المخيمات الفلسطينية في حروب داخلية بسبب صراعات الزعامة الدائرة بين الفصائل وداخل الاجهزة مما سهل اختراقها وضعضع موقفها امام العالم. والصراع الآن حقيقي بالرصاص والعصي منذ ارتفاع الحديث عن اعادة هيكلة السلطة الفلسطينية بما يهدد الفلسطينيين بحرب اهلية لا تقل شراسة عن حرب اللبنانيين مع تعدد مراكز القوى والسماح بتسلحها. امام هذا الخطر لا بد من توحيد الاجهزة الأمنية وبناء مظلة سياسية تجمع التنظيمات بالسلطة، والاتفاق على حد ادنى من اسلوب الحوار واتخاذ القرار حتى تصبح سلطة واحدة كبيرة وفعالة قادرة على بناء دولة سواء ظلت الارض محتلة والمخيمات مكتظة او عندما يأتي اليوم وتتحرر فيه الارض وتعلن الدولة ويصبح حسم الامور ضرورة، عندها يصبح الحسم بلا ألم ووفق منهج يرضي الجميع ويعفي الفلسطينيين والعرب من حرب مقبلة.