الجدل الكبير حول الهجرة

TT

هل الهجرة حقاً قنبلة موقوتة تهدد، كما يحذر البعض، بنسف استقرار ارسخ الديمقراطيات؟

هذا ما يبدو ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يعتقده، بدليل تفاهمه مع نظيره الاسباني خوسيه ماريا أزنار على وضع قضية الهجرة ضمن البنود الرئيسية الموضوعة على بساط مناقشات القمة المقبلة لدول الاتحاد الاوروبي.

بلير يلخّص نظرته، بكل بساطة، في أن ارتفاعاً كبيراً في عدد المهاجرين، ولا سيما من الدول الفقيرة في آسيا وافريقيا، سيعطي اليمين المتطرف، المتزايد القوة، ذخيرة إضافية في معركته للاستحواذ على السلطة. وتأكيداً لصحة هذه النظرة يشير بلير الى التقدم الملموس الذي حققته قوى اليمين العنصري في نحو عشر معارك انتخابية على امتداد اوروبا خلال الاشهر الماضية بفضل إطلاقها شعارات واوصافاً معادية للأجانب.

في الحقيقة لا مجال للشك في ان اعداد المهاجرين، ومن يطمح لأن يصبح مهاجراً من طالبي اللجوء، سجلت زيادة مطردة خلال السنوات القليلة الفائتة. وعلى سبيل المثال بلغ عدد طلبات اللجوء الى بريطانيا وحدها عام 2001 عشرة اضعاف ما كان عليه عام 1991. وما يدعو بلير الى اعتماده في واقع الامر هو تشديد إجراءات الشرطة وانظمتها لمنع طالبي اللجوء او الهجرة من دخول دول الاتحاد الاوروبي. وبطبيعة الحال فإن من شأن هذه الاجراءات التسبب بمفاقمة معاناة افراد كثيرين، جلهم من البائسين والمحرومين والمضطهدين، من دون معالجة خلفيات بؤسهم وحرمانهم، وبالذات في بعدها العالمي، او بالاصح «العولمي».

فهجرة الوطن وفراق الأحبة يعدان من اقسى التجارب التي يمر بها الانسان. ومعظم المجبرين على الهجرة الاضطرارية إما قرروا المغادرة هرباً من كبت الحريات، او فراراً من غائلة الفقر. وفي هذا السياق يحترم المجتمع حق المرء في مناهضة القمع والسعي الى الحرية. وبناء عليه فأي تدبير يهدف الى ضبط ظاهرة الهجرة او وقفها كلياً يجب ان يركز على مسألتين حيويتين:

ـ الاولى، ضرورة توسيع رقعة الحريات والأمان بحيث تشمل مختلف دول العالم، خاصة ان الانظمة القمعية والجائرة لا تستطيع الصمود من دون السكوت الضمني للأسرة الدولية على تجاوزاتها.

ـ والثانية، هي كيفية مساعدة الاقتصادات النامية على الخروج من دوامة الفقر والبطالة.

هاتان المسألتان تكشفان مدى صعوبة التصدي لهذه الظاهرة بصورة سليمة وفعالة. فهي اصعب من ان تحلها بجرّة قلم قمة الاتحاد الاوروبي المقبلة، بل حتى قمة «الثمانية الكبار». وما هو مطلوب، وبإلحاح، سياسة عالمية جديدة تجاه تنقّل الناس في مجتمع دولي تتساقط فيه الحواجز والحدود تدريجياً. أما الاجراءات «البوليسية» التي يدعو بلير وغيره الى اعتمادها فلن تحل المشكلة الجوهرية، حتى وإن ساعدت الحكومات الحالية على تجاوز معاركها الانتخابية الآتية.