خطوة الليكود ستعني الكثير لاحقا

TT

القرار الذي اتخذته اللجنة المركزية لحزب الليكود الحاكم في اسرائيل، برفض اقامة دولة فلسطينية غرب نهر الاردن، قد تكون له نتائج اكثر شأناً بالنسبة للقضايا الدبلوماسية والسياسية مما يبدو للوهلة الاولى.

ولا ريب ان مواقف وبرامج الاحزاب نادراً ما تلزم الحكومات والزعماء، وهذا القرار ليس مختلفاً، على الارجح، عن المناورات السياسية الاخرى. فحتى رئيس الوزراء السابق بنيامين نتانياهو، الذي كان قد رفض اتفاقيات اوسلو، وجد نفسه، اخيراً، يقبل هذه الاتفاقيات، ويدفعها الى امام عبر اتفاقيات واي ريفر التي وقعها.

وكانت خطوة الليكود اكثر اهمية عبر رسالة دعمها لنتانياهو، الذي رغب في ان يحل محل ارييل شارون كرئيس للوزراء. واذا ما اخذنا بالحسبان ان الانتخابات الاسرائيلية المقبلة ستعود الى نظام التصويت للاحزاب بدلا من التصويت المباشر للمرشحين لمنصب رئيس الوزراء، فان قرار الليكود لا يبشر بخير بالنسبة لافاق شارون. غير ان فعل الليكود سيؤثر، دونما شك، على آفاق الدبلوماسية والسياسة على المدى القصير. فمن المحتمل ان يفسر كثير من الفلسطينيين، الذين ظلوا على الدوام، مرتابين بنوايا اسرائيل، هذه الخطوة باعتبارها تعكس «الاهداف الحقيقية» لاسرائيل. وسيؤدي هذا الى تعقيد جهود السلطة الفلسطينية الرامية الى اعادة بناء اجماع يدعم الجهود الدبلوماسية الدولية الراهنة، والابتعاد عن استخدام العنف.

وسيتعين على الدبلوماسية الاميركية ان تبذل جهداً دؤوباً لكي تبقى في الموضع الملائم: فالحكومات العربية الصديقة المرتابة والتي ظلت تنسق جهود احلال السلام الجديدة مع الولايات المتحدة ستحتاج الى ضمانات اميركية جديدة. وقد يكون زعماء الكونغرس الذين رددوا، خلال الاسابيع القليلة الماضية، اصداء دعم الرئيس بوش لاقامة دولة فلسطينية اكثر ممانعة الآن، في اعادة التعبير، علنا، عن هذا الموقف، وبالتالي اعطاء الانطباع بان دعم الولايات المتحدة لاقامة دولة فلسطينية يعاني من التآكل، حتى عندما تواصل الادارة الاميركية تأكيد موقفها الثابت.

وفي الوقت ذاته اوضحت خطوة الليكود امرين.

الاول، ان شارون لن يكون قادراً على الحاق الهزيمة بنتانياهو عبر الانتقال الى اليمين. ولا يهم المدى الذي سينتقل فيه الى اليمين كرئيس وزراء، فنتانياهو، المرشح السياسي، يمكن ان ينتقل الى يمين اقصى، ما دامت مواقفه لا عواقب لها. ان فرصة شارون الافضل لتحسين آفاقه تتمثل في كسب عدد اكبر من الناس ممن هم في الوسط، واقناع حزبه بان لديه فرصة افضل في الفوز في الانتخابات العامة مما لدى نتانياهو.

ولا يمكن لهذا ان يحدث الا اذا عزز الامن الاسرائيلي، وانعش افاق تسوية سلمية، ولا يمكن تحقيق اي من هذين الهدفين عبر الانتقال الى يمين اقصى.

اما الامر الثاني، فهو ان اقرار الليكود يأتي في وقت اقر فيه المجتمع الدولي، خصوصا الولايات المتحدة، إقراراً كاملاً فكرة اقامة دولة فلسطينية تتعايش بسلام مع اسرائيل، بما في ذلك قرار لا سابق له من جانب مجلس الامن الدولي التابع للامم المتحدة. وكان الرئيس بوش فعالاً في الاعلان عن التزامه بهذه الرؤية، حتى وهو يتخذ موقفاً ودياً عميقاً تجاه اسرائيل وحاجاتها الامنية.

وقد تطور هذا الخطاب في المواقف السياسية الاميركية نحو التسليم جدلا بالحاجة الى اقامة دولة فلسطينية، واظهر استطلاع للرأي اجرى في اميركا ان 77 في المائة من الاميركيين يؤيدون دعم الرئيس لاقامة مثل هذه الدولة.

وفي اسرائيل ما زالت الاغلبية تدعم هذه الفكرة حتى في ظل ظروف في غاية الصعوية. وحتى شارون وجد نفسه يقر الفكرة كنتيجة للمفاوضات، رغم ان رؤيته لحجم وسلطة تلك الدولة تختلف الى حد كبير عن رؤية العديد من دول العالم.

وفي هذه الظروف تجسد خطوة الليكود تناقضاً صارخاً بين حزب الليكود واجماع المجتمع الدولي، بل وحتى وجهة نظر الاغلبية داخل اسرائيل. انها خطوة تراجع في وقت يسعى فيه الكثير من دول العالم حثيثاً الى التقدم الى امام.

ويمكن لهذا التناقض اللافت للنظر ان يجعل خيار الاسرائيليين اكثر حدة بطرق ظلت غير واضحة في بيئة تصعيد العنف، وتحت ظل حكومة وحدة وطنية في اسرائيل جمعت بين اليسار واليمين. كما انه يمكن ان يلفت الانظار الى مخاطر مجابهة مع ادارة بوش يخشاها الجمهور الاسرائيلي عموماً. ويمكن، اخيراً، ان تحث حزب العمل على اخذ المبادرة السياسية بجعل الليكود في موقف دفاعي.

ولكن كما هي العادة في القضايا السياسية، خصوصاً الديمقراطية يصعب توقع النتائج، وغالباً ما يكون الزعماء ضحايا وهم الذات.

ان ما هو واضح هو ان رفض اللجنة المركزية لليكود اقامة دولة فلسطينية، الذي لن يكون له تأثير كبير على السياسة الحالية لحكومة اسرائيل، يمكن ان يكون له تأثير اكبر بكثير على التوجهات السياسية والدبلوماسية لاحلال السلام في الاشهر المقبلة.

* استاذ كرسي انور السادات للسلام والتنمية في جامعة ميريلاند وزميل اقدم في معهد بوركينغز

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»