شارون يستعد لتنفيذ الترحيل قبل انتخابات 2003

TT

سبق ان كتبت على صفحات «الشرق الأوسط» مقالا تناول مخطط شارون لاعادة السيطرة الاسرائيلية الكاملة على المناطق التي تخضع للسلطة الوطنية الفلسطينية عبر الادعاء بالانسحاب، وتطويق هذه المناطق تطويقا خانقا، ومنع الحركة الا بتصريح من الادارة المدنية، اي العسكرية الاسرائيلية عمليا وهذا ما يجري الآن فعليا.

كما سبق ان كتبت مقالا ينادي بالوعي والتفريق بين الاستمرار في مقاومة الاحتلال جنودا ومستعمرين ومسلحين، وبين العمليات الانتحارية ضد المدنيين الاسرائيليين، تلك العمليات التي تقدم اوراقا مجانية هامة لشارون لكي ينفذ مخططه باستكمال اعادة الاحتلال والبدء بمشروعه لتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من المناطق التي يخطط لضمها نهائيا لاسرائيل.

وطالبت الدول العربية بعدم المطمطة وتسليم الزمن لشارون الذي يعتقد انه بحلول موعد الانتخابات 2003 في اسرائيل سيكون قد انجز حلمه.

واتعجب، في كثير من الاحيان، عندما اسمع او اقرأ آراء بعض المحللين والسياسيين الذين يكيلون الكلام وكأن جيوشنا تحاصر تل ابيب.

فما نحن فيه الآن ليس حربا، بل عدوان مستمر من جيش مدجج بالتكنولوجيا والدروع ضد شعب اعزل الا من بنادق لا تستطيع ان تحمي من الدرع او الطائرة. ولذلك قلنا ونقول ان الحلقة المركزية في هذه اللحظات الحرجة هي الاستمرار في مقاومة الاحتلال جنودا ومستعمرين مسلحين في المناطق المحتلة، اي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وان يمتنع الجميع عن القيام بأي عملية انتحارية في اسرائيل، خاصة تلك التي تستهدف المدنيين. ذلك ان السلاح الاساسي الذي يمتلكه الشعب الفلسطيني هو عدالة وطنية، وانه ضحية لاحتلال عنصري يمزق اشلاء وطنه ويمارس العذاب والاضطهاد والاذلال في كل ساعة وكل دقيقة. هذا السلاح الذي اذا اشهر جيدا فسوف يعبئ الرأي العام العالمي، ويضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف عملية حازمة لوقف العدوان وازالة الاحتلال.

هذه هي الحلقة المركزية الآن، ويجب الا يسمح احد بعد الآن لاي فرد او جماعة ان تضر بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطنيي وبالشعب نفسه، من خلال القيام بمثل هذه العمليات داخل اسرائيل، لانها على اقل تعديل حولت الاسرائيليين الى ضحايا والفلسطينيين الى ارهابيين في ذهن المجتمع الدولي. ويجب التركيز على مقاومة الاحتلال جنودا او مستعمرين مسلحين وهم كثر في الضفة الغربية وقطاع غزة لان هذا يعيد الحقيقة الى ذهن العالم:

الحقيقة التي تفيد بان الشعب الفلسطيني هو ضحية لاحتلال عنصري ارهابي، وان مصدر الارهاب الرئيسي والدائم هو الاحتلال طالما استمر، وان اسرائيل هي دولة عنصرية تضطهد شعبا بأكمله وتقتل المدنيين فيه وتدمر البيوت وتقتلع الاشجار وتحاصرهم في مدنهم وقراهم ومخيماتهم حصارا خانقا، بدرجة ان اكثر من 78 في المائة منهم اصبحوا تحت خط الفقر حسب المقاييس الاممية. ان تعبئة الرأي العام العالمي للضغط على الحكومات خاصة في الغرب هي من اهم الاسلحة التي يمتلكها الفلسطينيون والعرب، استنادا لعدالة قضيتهم ولكونها مسنودة بقرارات من مجلس الامن قررت بالاجماع واهمها 242، 338، 1402، و1397.

من هنا نقول ان العمليات التي تستهدف المدنيين الاسرائيليين تفقد الشعب الفلسطيني قدرة الدفاع عن حقوقه، وتغير الصورة الحقيقية بما يخدم شارون والاحتلال العنصري الاسرائيلي، وتجعل دولا عديدة في الغرب مترددة، او غير قادرة، على الدفع باتجاه اتخاذ خطوات عملية لوضع حد للعدوان الاسرائيلي وللدفع باتجاه خطوات عملية لانهاء الاحتلال الاسرائيلي. ونحن نعلم جيدا ان الغرب اجمالا، ابدى ويبدي التأييد لاسرائيل بشكل اعمى. لكن الغرب والولايات المتحدة لا يستطيعان تجاهل جرائم الحرب والمجازر التي ترتكبها اسرائيل، لو لم تزود العمليات الانتحارية ضد المدنيين الاسرائيليين هؤلاء بمبررات القول بان اسرائيل هي في حالة الدفاع عن النفس. فلماذا تصر التنظيمات على القيام بمثل هذ العمليات، بينما تستطيع ان تركز على قوات الاحتلال والمستعمرين المسلحين في الضفة الغربية والقطاع؟

لقد سهلت هذه العمليات لشارون تعبئة الاسرائيليين تعبئة كاملة لحرب عنصرية وحشية ضد الشعب الفلسطيني تحت شعار معركة البقاء.

فقد تمت تعبئة الاسرائيليين، خلال الاشهر التي سبقت الغزو الجديد للضفة الغربية، استنادا للعمليات الانتحارية داخل اسرائيل بمفهوم ان السلطة الفلسطينية وياسر عرفات عادا لخيار الكفاح المسلح من اجل انهاء اسرائيل وتدميرها. وهذا طبعا غير صحيح اطلاقا، لان السلطة الفلسطينية، بقيادة ياسر عرفات، اكدت وتؤكد الآن ان الهدف هو اقامة السلام بين دولة اسرائيل ودولة فلسطين المستقلة ذات السيادة الكاملة على الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967، اي على الضفة الغربية وقطاع غزة.

لكن، وكما قلنا، اعطت تلك العمليات المدانة ضد المدنيين الاسرائيليين، المادة اللازمة لشارون لتعبئة الاسرائيليين والجيش لخوض معركة البقاء، واستخدام ذلك للتحريض في الولايات المتحدة والغرب لدعم جرائم الحرب التي ارتكبها تحت تلك اليافطة. لقد اصيب الفلسطينيون بصعقة نتيجة الهمجية الوحشية التي اقتحم بها الجيش الاسرائيلي بدباباته وآلياته وطائراته مدنهم وقراهم ومخيماتهم. ولا شك ان الجنود ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في هذه المناطق سوف تجعلهم يعانون ولفترة طويلة من امراض نفسية مزمنة، اضافة لامراضهم التي كانوا يحملونها عندما ارتكبوا هذه الجرائم، لكن التعبئة كانت: اقتلوهم قبل ان يقتلوكم.. انها معركة البقاء لليهود.

والآن تبدو في الافق احتمالات خطيرة واحتمالات ايجابية. وعلى الجميع ان يفكر بعمق وان لا يستسهل الخطاب «العرمري» لان ذلك ممكن لدى الجميع. علينا ان نفكر بعمق ونختار الطريق الحكيم لحماية شعبنا ورفع شأنه وتحقيق اهدافه الوطنية، وذلك بالعمل الجاد والحكيم لانهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

اذا كان شارون يسعى للتصعيد وارتكاب مزيد من جرائم الحرب وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، فلماذا تعطي هذه المنظمات، التي ترسل الانتحاريين داخل اسرائيل (ضد مدنييها) ذريعة لشارون؟ هل تفعل ذلك لاعطائه المبرر ام لتحرم الفلسطينيين من حقهم في طرح قضيتهم العادلة على الرأي العام العالمي، بوصفهم ضحايا لاحتلال عنصري، وان الارهاب هو الاحتلال وان الفلسطينيين ليسوا ارهابيين؟

ان المصلحة الوطنية تتطلب من الجميع الوقوف بحزم ضد هذه القيادات التي توجه هؤلاء الشباب في عمليات انتحارية ضد المدنيين الاسرائيليين، وممارسة ضغط شعبي حتى يتم التركيز على مقاومة جيش الاحتلال ومستعمريه المسلحين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وهذا الامر سيرتبط بشكل كبير بالعمل الدؤوب (والذي علينا تصعيده مع الدول العربية) لدفع اسرائيل للانسحاب من الضفة الغربية، على الاقل حتى خطوط 28 ايلول، ورفع الحواجز والسواتر الترابية والاسمنتية ليتمكن المواطنون الفلسطينيون من التحرك بين قراهم ومدنهم ومخيماتهم، وهذا يرتبط ايضا ارتباطا مباشرا بمطالبة الشعب الفلسطيني بارسال قوات دولية (حتى لو كانت فقط اميركية) للفصل ولحماية الشعب الفلسطيني من مسلسل الاعتداءات الاجرامية المتكررة التي طالت وتطال كافة المدن والقرى والمخيمات التي ادعت اسرائيل انها انسحبت منها. ونعود مرة اخرى لنقول، ان مبادرة الامير عبد الله بن عبد العزيز حظيت، في بادئ الامر، برد اسرائيلي واضح هو اعادة غزو كافة مناطق السلطة الفلسطينية ومحاصرة الرئيس ياسر عرفات وكنيسة المهد. لذلك فان المطلوب من عمرو موسى امين عام جامعة الدول العربية ان يشكل لجنة وزارية دائمة، حتى لا يمكن شارون من اضاعة الوقت حتى عام 2003 كما يريد. وان تتوجه هذه اللجنة للولايات المتحدة ولرئاسة الاتحاد الاوروبي وورسيا والامين العام للامم المتحدة وان تتابع معهم بشكل مستمر القضايا التالية:

* انسحاب القوات الاسرائيلية من مناطق السلطة الفلسطينية.

* منع الاختراقات والمداهمات الاسرائيلية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.

* رفع الحواجز عن طرق الضفة ورفع الحصار عن المدن والقرى والمخيمات.

* البدء الفوري في المفاوضات السياسية استنادا لمبادرة الامير عبد الله بن عبد العزيز التي تستند لقرارات الشرعية الدولية.

كذلك لا بد ان نقول ان الامير عبد الله بن عبد العزيز مطالب بمتابعة مبادرته بشكل حثيث، فقد اصبحت هذه القضية محور كافة القضايا في منطقة الشرق الاوسط، ولا يجوز ان نترك النار تبرد.

بعد هذا نقول، ان ظروف الشعب الفلسطيني هي ظروف كارثية. لكن الوضع الاسرائيلي ليس بأحسن حال. فاقتصاد اسرائيل مني بنكسات كبيرة، وحجم الاستثمار فيها تضاءل، والاضرابات تعم، واصيبت قطاعات اقتصادية بأكملها بالشلل (كالسياحة والبناء والفنادق والمطاعم والزراعة)، ووقع شارون في مأزق خطير. فعملية الدرع الواقي لم تحقق اطلاقا ما ادعى شارون انه سيحققه من خلالها، والنتيجة الوحيدة كانت قتل مئات المدنيين، واعتقال اكثر من عشرة آلاف مواطن ومواطنة فلسطينية، وتدمير المئات من البيوت، وتدمير المؤسسات والبنية التحتية والمجاري والكهرباء وشبكات الهاتف.. الخ.

وهذا يدل على ان حرب شارون لم تكن كما ادعى، بل كانت موجهة ضد الشعب الفلسطيني والمدنيين والمؤسسات والاشجار والمنازل والبنية التحتية المدنية، ورغم ذلك خسر امام نتنياهو في اجتماع اللجنة المركزية لليكود. وبدأت شعبيته تتراجع، وبدأت حركة السلام الاسرائيلية تصعد من نشاطاتها وكان قمتها مظاهرات ضمت 60 الف اسرائيلي في ميدان رابين في تل ابيب، طالبت بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة.

اي بكلام آخر اسرائيل شارون تتراوح في مأزق ايضا، لذلك فان الحركة السياسية والدبلوماسية العربية باتجاه الاهداف التي ذكرناها سابقا ستكون في سياق زمني مع توجهات شارون للتصعيد من اجل استعادة شعبيته المفقودة وزعامة الليكود. والطريق واضح ومعروف.. انه طريق واشنطن وموسكو والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة.