الإيمان بالغيب

TT

الإيمان بالغيب عقيدة من عقائد الدين الإسلامي، وعلى حين لا تؤمن الفلسفات المادية والوضعية والعلمانية بغير الواقع والعالم والدنيا: (ولكن أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) الروم 6، 7. فإن الإيمان بالغيب عقيدة من عقائد الإسلام، وصفة من صفات المؤمنين بالإسلام (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) البقرة 3، 4.

ولأن من نعم اللّه على المسلمين أن جعل جميع عقائد الإسلام واردة ومكتملة في المصادر الأصدق والأوثق، فلا حاجة إلى طلبها في الروايات والمأثورات الظنية ـ ظنية الورود أو ظنية الدلالة ـ فلقد جعل نبأ الغيب مكتملا في النصوص قطعية الدلالة والثبوت.. أي المحكمات من آيات القرآن الكريم، والمتواتر من سنة رسولنا عليه الصلاة والسلام.

وليس معنى هذا أن موروثنا التراثي قد خلا من المناهج التي حادت عن هذا الطريق، وإنما المعنى هو أن هذا الانحراف كان موضع نقد ورفض من ثقات الأئمة والعلماء. وفي هذا المعنى يقول الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت (1310 ـ 1383هـ / 1893 ـ 1963م): «لقد تتبع بعض المفسرين غرائب الأخبار التي ليس لها سند صحيح، وأغدقوا من شرها على الناس وعلى القرآن!، وكان جديرا بهم، أن يقيموا بينها وبين الناس سدا يقيهم البلبلة الفكرية، فيما يتصل بالغيب الذي استأثر اللّه بعلمه، ولم ير فائدة لعباده في أن يطلعهم على شيء منه. وإذا كان للناس بطبيعتهم ولع بسماع الغرائب وقراءتها، فما أشد أثرها في إلهائهم عن التفكير النافع فيما تضمنه القرآن من آيات العقائد والأخلاق وصالح الأعمال. والذي أحب أن أقرره، فيما أخبر اللّه به من شؤون الغيب التي لم يتصل بها بيان قاطع عن الرسول، من الدابة، والصور، ونحوهما، هو: أنا نؤمن به على القدر الذي أخبر اللّه به دون صرف اللفظ عن معناه ودون زيادة عما تضمنه الخبر الصادق، فنؤمن مثلا بأنه سيكون في آخر الدنيا صور ينفخ فيه، فتكون صعقة، ثم ينفخ فيه أخرى، فيكون البعث، أما الخوض في حقيقته ومقداره وكيفية النفخ فيه، أو حمله على أنه تمثيل لسرعة إفناء العالم وبعثه بسرعة النفخة المعروفة للناس، فإنه رجم بالغيب، وتقوّل على اللّه بغير حق.

ونؤمن بأن القرآن، كما أخبر اللّه، في لوح محفوظ، أما الخوض في حقيقته أو تأويله بأنه تمثيل لصونه عن التغيير والتبديل، فإنه رجم بالغيب، وتقوّل على اللّه بغير حق.

نعم، يجب الوقوف في الإيمان بالغيب، عند الحد الذي جاء به الخبر الصادق، ولا ينبغي التصرف فيه بالحمل على التمثيل، أو الزيادة عليه، وضم شيء إلىه، فضلا عن استبعاده أو إنكاره، وهذا هو شأن المؤمنين بالله، وبكتابه، وغيبه». هكذا يجمع العقل المسلم بين الإيمان بالغيب، وبين العقلانية المؤمنة بهذا الغيب، والرافضة ـ في ذات الوقت ـ للأساطير وغرائب القصص والإسرائيليات.