لجنة تقصي الحقائق الخاصة وتزييف الحقائق

TT

تدعي منظمة الاطباء الامريكية لحقوق الانسان بعد زيارتها لمدينة ومخيم جنين واستقصاء الحقائق فيهما، بانها توصلت الى الكثير من الادلة التي تثبت نفي التهمة الموجهة الى اسرائيل بارتكاب جناية المجازر البشرية، وتلغي الادعاء بارتكاب جرائم الحرب على اريل شارون واركان حكومته وقيادات جنده، واعلنت عن اتفاقها مع حكومة تل أبيب في وصف حرب الاجتياح بالجدار الواقي لحماية الوطن والمواطن الاسرائيليين من العمليات الارهابية الفلسطينية، وتتوصل في تقريرها الى شرعية الحرب التي قامت بها اسرائيل تحت مظلة الدفاع عن النفس.

رفضت منظمة الاطباء الامريكية لحقوق الانسان الاطلاع على التقارير الفلسطينية التي تثبت ارتكاب الجيش الاسرائيلي جرائم الحرب بداخل مخيم اللاجئين الفلسطينيين في جنين، وبرر اعضاء هذه المنظمة رفضهم بانهم توصلوا الى الحقائق من خلال رؤية ما حدث بالعين المجردة فوق الارض، وتأكد لهم ان عدد ضحايا حرب «الجدار الواقي» لا يتخطى المعدل الطبيعي لضحايا الحروب المختلفة وان ضرب المدنيين الفلسطينيين لم يأت مقصوداً من الجند الاسرائيليين وانما جاء بالخطأ الذي يحدث في كل الحروب، مما يجعل كل ما يقال في الاوساط الدولية عن المجازر البشرية وجرائم الحرب في مخيم جنين لا يزيد في حقيقته عن الشبهات.

طالب لونارد روبنشتاين اليهودي الديانة والصهيوني الهوى الذي يرأس منظمة الاطباء الامريكيين لحقوق الانسان بفتح التحقيق في تأخير نقل الجرحى الفلسطينيين الى المستشفيات وفي اطلاق الجند الاسرائيليين النار على المدنيين الفلسطينيين وقفز الى النتائج دون المرور بالاسباب، بتأكيده ان هذه التحقيقات ستصل الى ما يثبت عدم صحة الشبهات في اسرائيل بسبب عوائق النقل للجرحى، وخطأ ضرب النار على المدنيين في ظل ظروف الحرب المسيطرة على المكان «ميدان القتال» التي فرضت تلك العوائق وتسببت في تلك الاخطاء.

دعا لونارد روبنشتاين لجنة تقصي الحقائق الدولية التي قامت بقرار مجلس الأمن 1405، وجمدت اعمالها بالاهمال الامريكي لها، الى «الحضور فوراً لمخيم اللاجئين الفلسطينيين في جنين لتقوم بدورها في تقصي الحقائق المكلفة بها من الامم المتحدة ولترفع قلقنا البالغ على اسرائيل بعد ان ثبت لنا من البيانات التي توصلنا اليها وسماع شهادة الشهود ان اسرائيل فوق الشبهات، وهذه الحقيقة تحتاج بالحاح الى قرار من لجنة تقصي الحقائق الدولية الرسمية، لتبرئة اسرائيل امام العالم من الشبهات المثارة ضدها وتحاول ادانتها بارتكاب المجازر البشرية وقيام قادتها من السياسيين والعسكر بجرائم الحرب».

قامت الصحيفة الاسرائيلية «يديعوت احرونوت» بنشر حديث الافك عما حدث في مخيم اللاجئين الفلسطينيين بجنين على لسان لونارد روبنشتاين رئيس منظمة الاطباء الامريكيين لحقوق الانسان، وقدمت له الشكر على ما توصلت اليه لجنة تقصي الحقائق الامريكية الخاصة، وزايدت الصحيفة على المنظمة بقولها ان الفلسطينيين قاموا بقتل انفسهم مرة بتفجير النفس من خلال العمليات الانتحارية الارهابية في التجمعات المدنية، ومرة أخرى ببدء الحرب ضد اسرائيل التي سارعت بالرد الرادع عليهم بالقوة المفرطة فانتحروا بالمواجهة القتالية مع دولة تفوقهم قوة، فلا تلام اسرائيل على قتل الفلسطينيين بالدفاع عن نفسها، وانما يتحملون وزر قتل انفسهم بتحديهم للأمن الاسرائيلي الرامي الى توفير الحماية للوطن والمواطنين.

نحن نعرف ان لجنة تقصي الحقائق الرسمية جاءت استجابة لرغبة اسرائيل بالمكالمة الهاتفية التي اجراها وزير الخارجية شيمون بيريز مع الرئيس الامريكي جورج بوش الذي بادر بدفع مجلس الامن الى اتخاذ القرار 1405، بدلا من مشروع قرار مجلس الامن بارسال قوات دولية تفصل الاشتباك بين الفلسطينيين والاسرائيليين والذي لم يناقش بسبب تهديد امريكا باستخدام الفيتو لمنع صدوره، غير ان اسرائيل اسرعت الى تجميد قرار مجلس الامن القاضي بارسال لجنة لتقصي الحقائق، بعد ان حذر رئيس الاركان شاؤول موفاز من مغبة استقبال هذه اللجنة لتقصي الحقائق لأن حجم القتل في مخيم الفلسطينيين بجنين يدين اسرائيل بالمجازر البشرية وقادتها من السياسيين والعسكر بجريمة الحرب، فأسرع رئيس الوزارة الاسرائيلية اريل شارون الى الاتصال بوزير الخارجية الامريكي كولن باول وطلب توسطه لدى سكرتير عام الامم المتحدة كوفي عنان بتأجيل ارسال لجنة تقصي الحقائق تمهيدا لتجميد اعمالها لمنع وصولها الى نتائج تضر بمصالح اسرائيل.

رفض اريل شارون سماع رأى كولن باول الذي يذهب الى ان لجنة تقصي الحقائق تخدم في نتائجها اسرائيل ومصالحها بتبرئتها من الشبهات الدائرة حولها لغياب الادلة القاطعة على المجازر البشرية وجرائم الحرب بمخيم اللاجئين الفلسطينيين في جنين، وتم بالفعل تجميد قرار مجلس الأمن، 1405 بالنفوذ الامريكي لينضم الى اسرة القرارات المجمدة والصادرة من مجلس الأمن ولكن واشنطون تعدت على الاسرة الدولية بالتطاول على الامم المتحدة بالموقف المتناقض بين تجميد لجنة تقصي الحقائق الذي يعبر عن الارادة الدولية بقرار مجلس الامن 1405 وبين مبادرتها بارسال لجنة تقصي الحقائق الخاصة التي كونتها من منظمة الاطباء الامريكيين لحقوق الانسان لتقوم بالمهمة التي منعت منها لجنة تقصي الحقائق الاصلية والرسمية.

هذا التناقض بين المنع للاصيل المخول من الاسرة الدولية بتقصي الحقائق، وبين الاباحة للدخيل غير المخول من الاسرة الدولية ليقوم بتقصي الحقائق، يفرض الريبة في النتائج التي توصلت اليها منظمة الاطباء الامريكيين لحقوق الانسان، بنكرانها للمجازر البشرية التي قامت بها اسرائيل ولجرائم الحرب التي مارسها قادة اسرائيل باعتراف رئيس الاركان شاؤول موفاز بصورة علنية أمام البرلمان (الكنيست) وتحدثت عنه الصحف الاسرائيلية، ووصف لجنة تقصي الحقائق الخاصة الامريكية الجرائم البشعة التي ارتكبت في مخيم الفلسطينيين بجنين بالشبهات على الرغم من الادلة القاطعة على اسرائيل التي يعرفها العالم بما فيه امريكا التي تواصل تجسسها على العالم بالاقمار الصناعية ويعرفها القاصي والداني بواسطة المحطات التلفزيونية الفضائية التي نقلت بالصوت والصورة المجازر البشرية وجرائم الحرب التي قامت بها اسرائيل عند اجتياحها للارض وقتلها للانسان. نكران لجنة تقصي الحقائق الخاصة الامريكية لجرم اسرائيل حتى تثبت لتل ابيب صدق قولها ورجاحة وجهة نظرها لعدم وجود أدلة ضدها، وتؤكد للعالم براءة اسرائيل من الدم الفلسطيني، قلب للحقائق واستخفاف بالعقل الانساني وعجزه عن التفكير الذي يجعله يرى الحق حقا والباطل باطلا، فانطبق على امريكا القول العربي الشائع «حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له» وطالما ان الانسان يحترم عقله ويعتز بقدرته على حسن الادراك فلم يصدق امريكا بوصف مجرم الحرب اريل شارون برجل سلام ولم يصدقها ايضا عندما وصفت المجازر البشرية وجرائم الحرب بالشبهات التي لا يقام عليها الدليل على الرغم من الوقائع القائمة فوق الارض والوثائق المتوفرة عند الناس والدول والمنظمات، وكلها ـ الوقائع والوثائق ـ تثبت بالادلة القاطعة الجريمة على اسرائيل.

لا ينحصر الدور الامريكي في تزييف الحقائق بواسطة لجنة تقصي الحقائق الامريكية الخاصة، وانما يتعدى ذلك التزييف بانتهاك حقوق الانسان من قبل منظمة الاطباء الامريكيين لحقوق الانسان، فانطبق عليها القول المعروف «حاميها حراميها» بسبب انحيازها لاسرائيل على حساب سمعتها في الوسط الدولي.