أغنية حب!

TT

لا يحظى الكاتب الفرنسي انطوان دي سانت اكسوبيري بالشهرة التي يستحقها في العالم العربي.. فما ترجم عنه قليل.. وما كتب عنه اقل.. وهو كاتب ترجمت اعماله الى لغات العالم لما فيها من انسانية دافئة وحس صادق واسلوب بسيط متدفق.

ولم يكن انطوان شخصا عاديا او كاتبا يجلس على مقاهي الشانزليزيه ليكتب قصصه، فقد كان طيارا تجاريا من اوائل الذين عبروا المحيطات بأكياس البريد ليصلوا الشرق بالغرب.. ومن اوائل الذين رسموا خرائط جوية توضح المطبات ومصائد الموت في الجو.. وتيارات الهواء الصاعدة بالماء لتصطاد الطائرات التي لم تكن في ذلك الوقت تستطيع الارتفاع كثيرا.

وقد وصف انطوان مغامراته في مجموعة تعد من اجمل المغامرات.. منها «في الطائرة والله معي».. «الطيران ليلا».. «الطيران الى آراس».. ولكن اعظم كتبه كانت رواية «ارض البشر» وهي اول رواية ترجمت الى العربية سنة 1948.

كان انطوان يعرف انه، وهو خارج بطائرته البدائية في اواخر الثلاثينات واوائل الاربعينات ان الاحتمال الاكبر انه لن يعود.. فكان يطلب من زوجته التي احبها كثيرا ان تكتب له كل يوم رسالة قصيرة وتحتفظ بها لحين عودته.. وهذا ما كانت تفعله كونسيلو، وزادت عليه انها كانت تكتب يوم الأحد رسالة طويلة من بضع صفحات.

وخرج انطوان في ليلة من ليالي عام 1943 ولم يعد.. ولم يعثر له على أثر.. فقد سقطت طائرته في المحيط واختفى الى الأبد.. وظلت «كونسيلو» تكتب له كل يوم فهي لم تصدق أبدا انه مات.

وفي العام الماضي عرف أحد الناشرين بخطابات كونسيلو التي لم ترسل قط ولم يرها المرسل اليه فنشرها وكانت مفاجأة، فقد كانت قطعاً ادبية صغيرة رائعة.. ومنها محادثات لم تتم بينها وبين الرجل الذي رحل.

عزيزي.. زوجي الحبيب.. ولدي.. وطني.. سبب بقائي.. طونيو.. هكذا كانت «كونسيلو» تبدأ رسائلها الى الرجل الذي احبته واحبها وظلت تكتب له حتى توقف القلم بين اصابعها.

اطلقوا على رسائل كونسيلو اسم «اغنية حب».. وتخاطفها القراء، ففيها من الصدق والبساطة ما يجعلها من اجمل ما كتب من رسائل الحب.