تحية لشعب العراق

TT

ربما سينظر القارئ لكلمتي هذه كنموذج من الولاء الشوفيني الاقليمي او القطري. ولكنني آمل ان يتذكر ما قلته على رؤوس الملأ من انني لا ادين بأي ولاء لأي قوم او ملة غير عائلة الأنسان بأوسع عوالمها. والواقع ان بعض القراء قد اتهموني مسبقا بكرهي للعراق والعراقيين. جزاهم الله خيرا! ما حركني لهذه الكلمة ملاحظتي للمبادرات الذاتية التي كثيرا ما انبرى اليها ابناء الجالية العراقية في لندن. كان آخر ما سمعته في هذا الخصوص، قيام بعض السيدات بإحياء ولائم في بيوتهن يعددن اطايب الطعام العربي ويحيين حفلة نسائية لمن يتفضلن بالحضور. وبعد الأكل والأستمتاع بالسهرة تتبرع كل واحدة بشيء حسب قدرتها وكرمها نحو رصيد يحول الى العراق لمنفعة المحتاجين، او بالأصح المحتاجات. لا يسع المرء غير ان يحيي مثل هذه المبادرات الذاتية المستقلة عن السلطات والمؤسسات. تعاني الجالية العراقية من شتى الانقسامات والمنازعات والسلبيات. ولكنها رغم ذلك سمت فوق هذه المماحكات بحيث اعطت ثمرات حميدة ومتميزة حقا. لم يقم أي من اغنيائنا ووجهائنا بما فعله د. محمد مكية الذي اقام هذا المركز الثقافي الرائع في قلب المنطقة العربية من لندن، ديوان الكوفة. ومن لم يسمع بديوان الكوفة بمعارضه الفنية المستمرة وبرامجه الثقافية والموسيقية التي لا تنقطع وتحتضن كل العرب وكل المهتمين بالثقافة الاسلامية. يقوم الرجل بكل هذا النشاط وما يتضمنه من ضيافة و يتطلبه من موظفين على نفقته الخاصة كليا. الى جانب ديوان الكوفة، هناك المنتدى العراقي الذي حصل هو الآخر على بنايته الخاصة به وكرسها لمساعدة العراقيين عامة في مشاكلهم الشخصية. هو الآخر له كوادره من موظفين و متطوعين، وصحيفته الشهرية التي تطبع بالانكليزية والعربية، وتزود القراء، ولا سيما اللاجئين منهم، بالنصائح والأرشادات المتعلقة بأوضاعهم الدقيقة. للمنتدى ايضا برامجه الثقافية والتعليمية (من العزف على العود الى استعمال الكومبيوتر) والسياحية والترفيهية المنتظمة. وراء هاتين المنظمتين، تتفرع عدة جمعيات للمهنيين العراقيين من أطباء وادباء وقانونيين واقتصاديين. ولكل منها برامجها و ادبياتها. اتحاد الديمقراطيين العراقيين له نشاطه ومجلته واجتماعاته النصف شهرية لترويج الأفكار الديمقراطية. في الميدان الديني توجد عدة مؤسسات ضخمة كآل البيت ومؤسسة الخوئي. وحتى حرب الكويت، ظل المركز الثقافي العراقي ملتقى للنشاط الثقافي العربي واشارت اليه صحيفة «الأوبزرفر» كأحد المراكز الحضارية الجديرة بالزيارة في لندن. كان يصدر مجلتين شهريتين ممتازتين بالانكليزية مازالت اعداد احداهما «اور» تعتبر مصدرا يعتز به جامعوها. الشيء الرائع في الأنشطة العراقية استمراريتها وحرصها على النوعية. فبينما يمل الآخرون ويتعبون او تنضب مواردهم بعد اشهر قليلة ويتوارون من الميدان، ظلت هذه المبادرات العراقية ـ وهي غير حكومية في الغالب ـ تتحدى الزمن والأزمات فتتخطى السنين والسنين في مسيرتها الدؤبة. اسوق كل هذا الكلام من باب الأمل في ان يوحي للآخرين بأحتذاء هذه الروح النشطة والمستعدة للتضحية والبذل من اجل الفكر العربي ودعم الوجود العربي في الغرب ومساعدة المغترب العربي.