سياسات جورج بوش تزعج الحلفاء

TT

يقوم الرئيس جورج بوش حالياً بجولة في أوروبا من المفترض أن تكون جولة سهلة، حيث يهدف من ورائها الى زيارة أقرب أصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة، وتوقيع معاهدة مع الجانب الروسي. ويمكن أن تكتسب هذه الجولة أهمية كبيرة لو أن الرئيس بوش نجح في استغلالها في توفير قدر أكبر من الأمان للأميركيين والأوروبيين في مواجهة التهديدات المشتركة، المتمثلة في الارهاب وأسلحة الدمار الشامل طويلة المدى، وليس الأخطار الآتية فحسب. غير أنني قد سمعت مراراً في العديد من المحادثات مع مسؤولين أوروبيين رفيعي المستوى، من الحكومات والقطاع الخاص، أنهم لا يعتقدون أن ادارة بوش مهتمة بصياغة شراكة استراتيجية تمتد الى ما بعد الحرب الأفغانية المباشرة.

لقد هرع الأوروبيون، قيادة وشعوباً، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتقديم دعمهم للجهود المبذولة لمكافحة الارهاب، ومنع انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، وأنظمة توصيلها. وقام حلف الناتو باتخاذ خطوة غير مسبوقة حين قدر تفعيل المادة الخامسة في معاهدة حلف شمال الأطلسي التي تقضي باعتبار أي هجوم على احدى دول الحلف هجوماً على دوله كافة، الأمر الذي يتطلب رداً جماعياً.

ويردد الأوروبيون في هذه الأيام أنه في حين تتحدث الادارة الأميركية طوال الوقت عن خطر الارهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل، فانهم يرون العديد من الأمثلة على عدم تركيز الادارة الأميركية على أهمية علاقة الشراكة مع دولهم للعمل على مكافحة ذلك الخطر. وربما يكون الرئيس بوش قد جعل، عن غير قصد، الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة من أجل الأمن أكثر صعوبة حين رفض الاجراءات التي تهم الاوروبيين في ما يتعلق بالدفاع الصاروخي، والأسلحة البيولوجية، والعدالة الدولية، وتحسين البيئة، بدلاً من تطوير هذه الاجراءات، وحين لم يبد استعداداً لاستخدام القدرات العسكرية الأوروبية وثيقة الصلة بالحرب التي تخوضها الولايات المتحدة.

ويعكس ذلك شعوراً يبدو عاماً في الادارة الأميركية، التي لا تقوم بتعهداتها بالتعاون مع حلفائها كونها مجرد قيود على قوة الولايات المتحدة، والحقيقة أن علاقات الشراكة مع الحلفاء من شأنها مضاعفة القدرات العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة. فأوروبا هي الشريك التاريخي الذي لا يمكن الاستعاضة عنه بالنسبة للولايات المتحدة في أي حرب قد تخوضها في العالم، وحلف الأطلسي، الذي يمثل التزاماً طويل المدى للجانبين، هو أفضل وسيلة للتعامل مع التهديدات التي يواجهها الحلفاء في حينها.

عندما كانت ادارة كلينتون في السلطة، كنا ندفع الأوروبيين لكي نجعلهم يدفعون الى التزاماتهم لتحديث آلاتهم العسكرية. فخلال حملة كوسوفو، كان الفرق واضحاً بين قدراتهم وقدراتنا، وعلى الرئيس الأميركي أن يعي جيداً حتمية أن يقوم حلفاؤنا فوراً بتطوير أنفسهم في مجالات مثل نقل القوات ودعمها في أرض المعركة، لاسيما حين يتعلق الأمر بالقوات الخاصة للعديد من الدول التي أبلت بلاء حسناً في أفغانستان.

غير أنه ليس كافياً أن يقتصر موقفنا على مجرد الشكوى من القدرات الأوروبية أو التقليل من شأنها، فالمشكلة تكمن في أن الحكومة الحالية، التي لا تبدي استعداداً لقطع أي التزامات طويلة المدى من جانبها لصياغة تخطيط استراتيجي يعتمد على التحالف، لا تعد حلف الناتو نحو الاستثمارات التي يتعين أن تقوده اليها. لقد دأبت الادارة الأميركية الحالية على الحديث عن تغيير التحالفات قصيرة المدى، كما لو كان الانفتاح الكافي على المستويات العسكرية سيتحقق بعصا سحرية، وليس بالعمل الجاد على مر الوقت.

ان حلف الناتو لا يزال أمامه الكثير، بلا شك، ليكون مستعداً للقيام بدور عالمي. والادارة الأميركية استغرقت بعض الوقت لترفض الفكرة التي تم طرحها العام الماضي بشأن ترتيب جديد يعطي لروسيا حق النقض «الفيتو». وعلى التحالف أن يدرك أن في توسيع العلاقة بين دول الناتو وروسيا ما يدعم القدرة على التحرك، بدلاً من أن يجعل الأمور أكثر صعوبة.

لقد أسفر موسم الانتخابات الأوروبية عن العديد من المفاجآت غير السارة، من الاهتراء أثناء تناول القضايا الاقتصادية المعقدة فالقادة الأوروبيون لا يحبون ابلاغهم بما يجب عليهم أن يفعلوه. وليس ذلك فحسب، وانما الأكثر أهمية أنهم يتخوفون من أن تكون الولايات المتحدة قد أسقطتهم من حساباتهم كشركاء فيما يتعلق بأهم قضية بالنسبة لهم ولنا، وهي قضية الشراكة الاستراتيجية لمعالجة أخطر التهديدات الأمنية.

إن بمقدور الرئيس بوش أن يستغل جولته الحالية ليذكر حلفاءه بأن الولايات المتحدة وأوروبا شريكتان لأن جذور مجتمعاتهما تغوص في تربة مشتركة من قيم احترام حرية الفرد وانجازاته، وأهمية السوق الحرة، والاهتمام بالفقراء والمعوزين وبمقدوره أن يوضح لهم تفهم ادارته لطبيعة الالتزامات طويلة المدى بالنسبة للجانبين. وإذا ما فعل ذلك، فسيكون قد أرسى اطاراً لشراكة دائمة مع أوروبا، من شأنها أن تدعم أمن الولايات المتحدة وماهيتها وقيمها.

* الكاتبة شغلت منصب وزيرة الخارجية في ادارة بيل كلينتون، كما أنها شريك مؤسس لمجموعة أولبرايت، وهي مؤسسة استراتيجية عالمية ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»