لا تكفي مقاتلة الشر بل تحقيق أهداف إيجابية أيضا

TT

حسب رؤية ايسيا برلن، فإن «الرجال لا يحيون فقط من اجل مقاتلة الشر، وانما لتحقيق اهداف ايجابية ايضاً». هذه النصيحة لم تكن موجهة الى قادة الحرب ضد الارهاب. كان مرلن قد توصل الى هذه المقولة قبل اربعين سنة، ولكنها تستحق الاهتمام من قادة عالم اليوم، حيث تم بالفعل تشخيص هدف ايجابي مهم من قبل الامم المتحدة يستحق القتال من اجله: ضمان تعميم التعليم الابتدائي في كل الكرة الارضية مع حلول عام 2015.

أعرف ان حديثي لصالح فرض التعليم الابتدائي للجميع، والقول بان ذلك كفيل بتحسين العالم التعس الذي نعيش فيه، سيبدو مثل شعارات ترفعها سيدات المجتمع الفكتوري ووصفاتهن للاصلاح والتطور. عموماً، فقد اثبتت الدراسات التجريدية المعمقة، وجود علاقة مباشرة لدور التعليم في تطوير الاقتصاد والمجتمع سواء في اوروبا او شمال اميركا، او في آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية ايضا. عندما انطلقت اليابان في القرن التاسع عشر على طريق اللحاق بالتطور في الغرب، اعتمدت على تشريع تعليمي وضع عام 1872، يقر الالتزام العام بعدم وجود «أي تجمع سكاني يضم في صفوفه عائلة أمية، او عائلة تضم شخصا أميا». وشرح احد قادة الاصلاح الياباني، كيدو تاكايوشي، هذه الفكرة الاساسية بالقول: «شعبنا لا يختلف عن الاميركيين والاوروبيين في هذا العصر، الامر كله يتعلق بوجود التعليم او بانعدامه».

في عام 1910، انتهت الامية بين الجيل الجديد في اليابان، وفي عام 1915، كانت اليابان اقل غنى من بريطانيا او اميركا، ولكنها صارت تصدر كتباً اكثر من بريطانيا، وضعفي ما يصدر في الولايات المتحدة. لقد ساهم التعليم بدرجة كبيرة في نوعية وسرعة التطور الاقتصادي والاجتماعي في اليابان. وقد اتبعت كل من الصين وتايوان وكوريا الجنوبية وغيرها من المجموعة الاقتصادية في شرق آسيا، في ما بعد، طريقا مشابها لليابان. وارتبط تفسير النجاح الاقتصادي السريع لهذه الدول في الاذهان بارادتها للاستفادة القصوى من عولمة الاقتصاد، وهذا صحيح، ولكن ذلك التفاعل كان ممكناً بفضل الاستفادة الاساسية من التعليم، الذي وفرته تلك الدول سلفاً، اذ لم يكن ممكنا لها ان تستفيد من السوق العالمية، من دون تمتع السكان بالقدرة على القراءة والكتابة، وبالتالي، بالقدرة الانتاجية حسب الارشادات والمواصفات.

ولا يقتصر دور التعليم الابتدائي في تسريع التطور على المجال الاقتصادي، فالتعليم مهم بحد ذاته كون القدرة على القراءة والكتابة تؤثر بعمق في اسلوب الحياة الفردي، كما ان الشعب المتعلم يحسن استغلال الفرص الديمقراطية عن نظيره الأمي.

كما يمكن للقدرة على قراءة الوثائق والبنود القانونية ان تساعد النساء والمجموعات الاخرى المضطهدة، ايضا، على مطالعة الحقوق والمطالبة بالانصاف. ويمكن لتعليم الاناث ان يدعم موقعهن في تسيير شؤون الاسرة، ويقلل من الاخطاء في مجالات عديدة، مما يساعد الجنسين في النهاية، اذ يقلل تعليم الاناث، على سبيل المثال، من نسبة وفيات الاطفال، ويحد من نسبة الولادة. ان معدل الشقاء والفقر الاعلى يظهر بوضوح عند الاناث الشابات الكثيرات الحمل والولادة، ومن الطبيعي ان يؤدي حصول الزوجة على صوت داخل الاسرة الى الحد من زيادة المواليد.

وعلى سبيل المثال، تتفاوت نسبة الخصوبة في الهند كثيرا بين الاسر والتجمعات، اذ يصل معدل اطفال الزوجين في بعض المناطق الى خمسة اطفال، بينما يقل في مناطق اخرى عن طفلين. وتقول نتائج الفحوص التجريدية لكل من مماتا مورثي وجان دريز، ان سبب التباين هذا، داخل البلد الواحد، مرتبط بعاملين، الاول هو توفر التعليم للاناث، والثاني هو مشاركة الانثى في المجالات الاقتصادية. وتصل نسبة الاطفال المحرومين من التعليم الابتدائي، في دول افريقيا الصحراوية، الى اربعين في المائة، وهناك 125 مليون طفل، في العالم ككل، لم يدخلوا فصلاً دراسياً في حياتهم. ولهذا لا مناص من تنظيم مبادرة عالمية لتوفير التعليم الاساسي للجميع. ولضمان النتائج، من المهم ان تتبنى الدول النامية خطط ذاتية لتعميم التعليم، وتقوم بتنفيذها ايضاً. لكن المبادرة العالمية الشاملة للتعليم يمكنها ان تحث على متابعة البرامج، وتقدم ايضاً الدعم المطلوب للتنفيذ. من الصعب المبالغة في وصف الحاجة لمشاركة عالمية (تحالف دولي) من اجل التعليم او المبالغة في تعداد فوائدها. لقد حان الوقت للعيش باهداف ايجابية، ليس بالنسبة لقادة مجموعة الدول الثماني، على الاقل، الذين سيجتمعون في قمتهم الشهر القادم (يونيو) في كندا.

* الكاتب مدير كلية ترينتي في كيمبريدج، ورئيس فخري لهيئة اوكسفام الخيرية، والحائز جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1998

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»