قبول الفدية ورفض المصالحة

TT

نشرت «النيويورك تايمس» صباح السبت، و«الواشنطن بوست» صباح الجمعة، مقالين افتتاحيين بدا ان كاتبهما واحد، ولو اختلف النص قليلاً، ويدعو الكاتب هذا الى قبول العرض الذي قدمته احدى شركات المحاماة في نيويورك، بأن تعوض ليبيا على ضحايا طائرة «البان اميركان» التي سقطت فوق قرية لوكربي الاسكوتلندية، ولكن من دون رفع العقوبات عن ليبيا في المقابل، وبينها عدم رفع اسمها عن لائحة الدول الداعمة للارهاب، وتعدد الصحيفتان الخطوات التي اتخذتها طرابلس (او سرت) لاظهار تحولها نحو الاعتدال، لكنهما تصران في الوقت نفسه على ابقاء العقوبات والتوصيفات والتسميات الملصقة، بداعي ان ليبيا لا تزال تسعى للحصول على الاسلحة غير التقليدية.

وتقر الصحيفتان بأن ليبيا سوف تعوض على أسر ضحايا لوكربي بعشرة ملايين دولار للعائلة الواحدة. اي ما يقارب 3 مليارات دولار. وهو رقم غير مسبوق في دنيا التعويضات الشخصية، وتنفي ليبيا الرقم، فيما يصر الاعلام الاميركي على تأكيده. وتعترض الصحيفتان على قبول واشنطن بصفقة تتم من خلال محامين، وتعتبرها سابقة سياسية خطرة، الرابح الاكبر فيها هم المحامون، لكن هذا غير صحيح، فعالم السياسة مليء بالصفقات السرية وبالوسطاء غير المعلنين. واذا كان اي اتفاق محتمل سوف يضع حداً مادياً، لا نفسياً، لمعاناة اسر الضحايا، فهو لا بد ان يضع ايضاً نهاية لما عاناه الليبيون سياسياً واقتصادياً جراء القضية التي وقعت قبل 13 عاماً. فما لحق بليبيا بسبب هذه المسألة بالذات، ليس قليلا. وقد اتخذت لوكربي مظلة وضع الغرب تحتها كل شكاويه السياسية من النهج الخارجي الليبي. فمثل هذا الحادث الذي يستدر عطف الناس، ساعد على استدعاء ليبيا الى مجلس الامن بموجب قضية معلنة، بعدما كان من الصعب سابقاً توجيه «التهم» اليها في قضايا غير معلنة. والحقيقة ان ليبيا حاولت، من خلال القضية نفسها، ان تعقد المصالحة مع المرحلة السياسية الحالية في العالم، وطرحت طرابلس نفسها كوسيطة في قضايا شائكة من خلال «مؤسسة القذافي العالمية الخيرية» كما حدث في الافراج عن الرهائن الذين اختطفتهم جماعة «ابو سياف» في الفيليبين وتم تسليمهم الى ذويهم في طرابلس. وسعى سيف الاسلام القذافي خلال جولاته الخارجية الى طرح صورة مغايرة للنظام وتقديم صورة منفتحة واكثر هدوءاً ومتقبلة حتى للاسئلة الغامزة من السياسات الماضية.

واضح ان هناك محاولات معقدة وصبورة لانهاء موضوع لوكربي. فسوف تدفع ليبيا التعويضات ـ اذا حدث ـ من دون الاقرار بالمسؤولية. وقد تكون الخطوة المقبلة بعد حين، تقليص سنوات سجن الليبي المحكوم لينعم بالحرية الى جانب رفيقه المبرأ، وبذلك يُختم فصل مثير من فصول السياسة العالمية، تنقلت فيه المحاكم وتعددت فيه الاحكام.

ولكن احد اهم عناصر الخاتمة رفع الضيم عن الشعب الليبي، وانهاء حالة الحصار والعقوبات. وهذه مسألة تنظر فيها وتقررها الاسرة الدولية من خلال مجلس الأمن، وليس كتّاب نافذون في كبريات صحف اميركا. لقد عانت ليبيا طوال عقد بقدر ما عانى سواها. ودفع الليبيون جميعاً ثمن قضية أدين بها ليبي واحد. وان يقال الآن ان كل ما حدث لا يكفي لرفع الحظر، فهو بلا شك ظلم مسبق وموقف جائر.