ما بعد بيان المثقفين السعوديين

TT

كنت سأكتب معلقا على ما سمي «بيان المثقفين السعوديين»، لكن الحوار الممتع والكتابات المتعمقة التي مارسها العديد من المثقفين السعوديين فيما يشبه حوارا داخل المجتمع الواحد، كل ذلك جعلني انتظر خوفا من فقدان متعة الاستمتاع بحوار سعودي جميل اصبح هو القضية الاساسية التي خرجت من نطاق بيان محدود الى دنيا واسعة من الحوار الصحي.

بيان المثقفين السعوديين مع احترامنا لمضمونه وللموقعين عليه، يبدو مثل كل خطاباتنا التي نتحدث بها مع انفسنا ونحن نعتقد اننا نتحدث مع الآخرين، ونحاول اقناع «الآخر» بمنطقنا الخاص وبمصطلحاتنا التي قد تكون غريبة عن فهمه، وهو مثل كل بياناتنا العربية يخلط بين الأمنيات والواقع، ويدور في حلقة لا تريد ان تغضب احدا فتكون النتيجة ان يغضب الجميع.

اهم من البيان، هو تلك النقاشات التي اظهرت ان تلك الصورة الجاهزة والمعلبة في اذهان بعض الاطراف الغربية والتي تصور المجتمع السعودي وكأنه مجتمع منعزل، كاره للآخر، يعيش في صومعته الخاصة، وانه مجرد صدى اجوف لصراخ المتطرفين والارهابيين، بل واحيانا تصوير المجتمع السعودي وكأنه حركة طالبان، نقول ان الحوار السعودي كان تعرية لهذا المفهوم الاحادي الجانب الذي لا يرى من الصورة العامة الا زاوية صغيرة من زواياها.

الحوار اثبت ان هناك اجتهادا داخل المجتمع السعودي يمثل مزيجا من التمسك بالثوابت الوطنية والشرعية من جهة، وبين رفض التعصب والتطرف والغاء الآخر، وان هذا الاجتهاد لا يمكن الاستهانة به، وهو يمثل شرائح من المتعلمين والطبقة الوسطى والمتنورين من كافة الطبقات الاجتماعية. ولقد عبر عدد كبير ممن علقوا على بيان المثقفين السعوديين عن هذا الاجتهاد بثقة في النفس ووعي بطبيعة الواقع، حيث التمسك بالمنجزات الوطنية من جهة ونقد السلبيات من جهة اخرى، من دون الدخول في لعبة التطرف والمزايدة والادعاء بتمثيل المجتمع، ووضع رجل في دائرة ورجل اخرى في دائرة نقيضة.

المجتمع السعودي مثل كل مجتمعات الدنيا فتح نوافذه للشمس، واختلط اهله بالثقافات الاخرى وتعلم آلاف منهم في جامعات غربية محترمة، وهو يعيش مرحلة تحولات اجتماعية هائلة تحتاج الى الاستماع الى كل الاجتهادات، وفتح الباب واسعا امام جميع المجتهدين بروح من التسامح والقبول، وخاصة عندما تكون الثوابت الوطنية ماثلة امام الجميع، ومصلحة البلاد والعباد فوق المصالح الضيقة.

الحوارات التي اثارها بيان المثقفين السعوديين اثبتت ان دنيا الحياة الفكرية في المجتمع السعودي بخير، وان المستقبل يحمل كثيرا من التطورات الايجابية التي يعيشها مجتمع بحجم المجتمع السعودي، وهو مجتمع لا يمكن له الا ان يكون مجتمعا محافظا من دون تزمت، ومنفتحا من دون تطرف، واقرب طريق للوصول الى ما يطمح له الناس هو في الحوار الصحي والانساني الذي يستهدف قطف العنب لا قتل الناطور.