نزاع إقليمي ـ دولي معا

TT

فشل سعي الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في تحقيق مصالحة بين الهند وباكستان في نزاعهما حول كشمير، في مؤتمر الماآتا، قد لا يكون نكسة لمساعي احتواء الازمة الخطيرة بين البلدين بقدر ما يشكل نكسة لدور روسيا المستقل على الساحة الدولية، رغم ان عودتها الى التعامل مع شؤون «دول الجوار القريب» ـ كما تسميه وزارة الخارجية الروسية ـ جاء في اعقاب الدعم الدبلوماسي والمعنوي الذي اكتسبته من توقيع حلف شمال الاطلسي لاتفاق شراكة معها قبل حوالي الاسبوعين. في عالم لا تزال معادلاته السياسية تقوم على معطيات موازين القوى، يثير النزاع الهندي ـ الباكستاني حسابات دولية تتجاوز الاطار الاقليمي للدولتين، فوساطة روسيا قد لا تعتبر «محايدة» بالنظر لارتباطاتها المميزة مع الهند، على الصعيد العسكري بالذات. ومع ان انهيار المسعى الروسي ابقى الازمة مفتوحة على كل الاحتمالات وعلى اخطرها بصورة خاصة، الا انه مهد الطريق لعودة الولايات المتحدة الى التعامل المباشر مع الازمة، عبر تكليف وزير دفاعها، دونالد رامسفيلد، بمهمة تخفيف التوتر بين الهند وباكستان بحيث «يجد البلدان ما يسمح لهما بالانتقال من الوضع الذي هما فيه الى الوضع الذي يريدهما العالم فيه»، كما قال عشية البدء بمهمته.

لهجة الخطاب السياسي لرامسفيلد توحي بان واشنطن ستحذر كلا من الهند وباكستان من العواقب التي يمكن ان تترتب على وقوع حرب نووية بينهما. وكان تقرير صدر حديثا عن وكالة المخابرات العسكرية الاميركية قد توقع، في حال وقوع حرب نووية بين الهند وباكستان، مقتل نحو 12 مليون شخص من الجانبين واصابة نحو 6 ملايين آخرين بجراح متفاوتة الخطورة.

على خلفية هذه التوقعات العسكرية، قد تكون نصيحة رامسفيلد لكل من الهند وباكستان ان حربا نووية بينهما ستكون حربا انتحارية لن يخرج منها منتصر، وان المنطق العسكري نفسه يرجح اللجوء الى الدبلوماسية، لا الرؤوس النووية، لتسوية النزاع حول كشمير. باختصار، لان النزاع الهندي ـ الباكستاني هو نزاع بين دولتين نوويتين يصعب اعتباره نزاعا «إقليميا»، فاخطاره تتجاوز البلدين الى الشرقين الاوسط والاقصى وتستوجب بالتالي تدخلا دولي الطابع لا يقتصر على الولايات المتحدة فحسب بل يشمل روسيا والصين ـ الجارتين المؤثرتين في المنطقة ـ ولا يكتفي بالسعي لاحتواء الازمة، بل ينطلق منها ومن مخاطرها لاعادة طرح موضوع الرقابة الدولية على الاسلحة النووية بدءا بتعاون الدول النووية الكبرى على ايجاد آلية مشتركة تكفل فعالية هذه الرقابة وانتهاء بتجديد الدعوة الى تدمير السلاح النووي بأكمله.