مقارنات مستوحاة من الصراع حول كشمير

TT

صراع الهند وباكستان حول كشمير يقدم الكثير من اوجه التشابه للصراع العربي ـ الاسرائيلي، سواء من المنظور الزمني، أو تسلسل الاحداث وعجز الامم المتحدة، والدور الاميركي، وحتى الكثير من تصريحات وتصرفات الطرفين، في هذه الايام، تذكر بالوضع العربي ـ الاسرائيلي. ولأن الهند وباكستان دخلتا الى النادي النووي، فهناك من يُشبه خلافهما ايضاً بالخلاف بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة اثناء الحرب الباردة، بمعنى ان امتلاكهما السلاح النووي سيمنع وقوع الحرب خوفاً من نتائجها.

يمكن ابتلاع التشبيه في المثالين اذا كان الهدف تسهيل وتقريب المعرفة، لكن اذا اريد من التشبيه استنتاج الدروس ووضع خطط حل قضية مثل شبيهتها، فذلك ليس من العدالة بشيء في حالة الصراع العربي ـ الاسرائيلي. كما ان الاطمئنان لتشابه، وبالتالي نتائج، الوضع الهندي ـ الباكستاني بالروسي ـ الاميركي، قد يؤدي الى كارثة، لان التشابه يبدأ، وينتهي ايضاً، بامتلاك الاطراف للسلاح النووي.

كان الاستعمار البريطاني هو السبب المباشر للكثير من مشاكل العالم المشتعلة للان، ومنها قضيتا فلسطين وكشمير. دقائق وتفاصيل وتطورات القضية الفلسطينية معروفة للعرب، ولكننا بحاجة الى الالمام بخلفية الوضع الكشميري حتى نعرف، على الاقل، مبررات التصلب الذي قد يؤدي الى حرب نووية أصبحت قريبة جداً على وطننا ومواطنينا.

مع نهاية فترة الاستعمار، كان الانجليز قد اوصلوا الهندوس والمسلمين، في الهند الام، الى ضرورة تقسيم البلاد، وخيروا الزعماء المحليين بالانضمام الى الكيانات التي يريدون. فولدت الهند وباكستان وبنجلاديش، عام 1947، من بطن الرقعة الهندية المستعمرة. لكن المهراجا الهندوسي حاكم منطقة كشمير، ذات الاغلبية السكانية المسلمة، تردد في الاختيار بين باكستان المسلمة والهند ذات الاغلبية السكانية الهندوسية فطلب من الانجليز، واخذ من الحاكم العسكري اللورد جنرال مونتباتن، مهلة عام للتفكير. وهنا بدأت المشكلة، فقبل انقضاء المهلة، ارادت قبائل باكستانية فرض الامر الواقع ودخلت الى منطقة كشمير القريبة، واستعان المهراجا الهندوسي بالقوات الهندية فدخلت المنطقة الباقية، وهي حوالى ستين بالمئة من كشمير، ووقع معها المهراجا عقد انضمام كل كشمير للهند. لكن الحاكم البريطاني الذي كان يمارس مهامه، انذاك، اضاف الى العقد بندا يطالب بتخيير السكان عبر الاستفتاء الى أي بلد ينضمون، ولكن بعد انسحاب القوات الغازية من المنطقة. ومن يومها لم تنسحب قوات، ولم يجر استفتاء، وقامت ثلاث حروب بين البلدين، وحرب اخرى بين الهند والصين بسبب كشمير التي استقر الوضع الحدودي فيها على خلفية قرار هدنة من الامم المتحدة.

اوجه الخلاف الكشميري الفلسطيني اكثر من اوجه التشابه. ففي المحصلة النهائية سكان وحكومات الهند وباكستان كلهم من المنطقة، وما حصل هو تقسيم سياسي وجغرافي لم يلغ الاختلاط الديني قولاً او عملاً. وفي كشمير لم يطرد أي ساكن من أي شق، ويحرص البلدان على عدم توطين سكان آخرين في كشمير حتى يحافظوا على بعض التفاهم مع السكان لتبرير الوضع والتناطح السياسي بين اسلام اباد ونيودلهي. أي ان الخلاف سياسي حول من يحكم المنطقة بضمها.

هناك، طبعاً، تشابه في التكتيكات، فباكستان، مثل الفلسطينيين، تريد عبر انعاش المقاومة تدويل القضية واجبار الهند على التفاوض، او الاحتكام كون باكستان شبه مطمئنة الى ان عالم اليوم سيقر تخيير السكان، وانهم سيختارونها. الهند من طرفها ترفض تدخل الاطراف الخارجية، وتطالب بوقف الارهاب قبل أي حديث او لقاء ثنائي، ثم تصر على انسحاب باكستان قبل تخيير السكان حول مصيرهم، وهي بهذا اقرب الى التكتيكات الاسرائيلية الممارسة، الان، رغم ان قضية فلسطين يتدخل فيها كل العالم. لكننا نتذكر ايضاً ان العرب والفلسطينيين كانوا، ذات زمن، مثل الهند يرفضون أي تفاوض وحديث مع المحتل الاسرائيلي. اذا كان لابد من التشبيه، فوضع كشمير اقرب الى وضع ايرلندا صنع في بريطانيا ايضاً) حيث افُسد بين ابناء الديانة الواحدة، وقسمت البلاد ولكن دون طرد السكان بل استرضائهم. قضية ايرلندا تذوب من ذاتها، الان، بعد انهيار الحدود بين دول المجموعة الاوروبية وتوفر حرية التنقل والعمل والاقامة للجميع اينما كان، اذاً لم يعد هناك معنى للدولة المستقلة او ضرر من البلاد المقسمة الى شقين. ومهما كان حل القضية الكشميرية، فإن احداً غريباً لن يأخذ ثلاثة ارباع ارضهم، او اكثر، دون اعتبار لقرارات الامم المتحدة بالتعويض، ناهيك عن حق الاقامة او حتى الرؤية.

لكن التوتر حول كشمير قد يبيد سكانها اكثر من الحروب الثلاث الماضية، وهذا الوضع، ايضا، لايشابه الوضع العربي ـ الاسرائيلي، حيث تتفرد اسرائيل بامتلاك السلاح النووي. القضية هنا ان البعض يعتقدون ان تملك الهند وباكستان للسلاح النووي، سيردعهما عن الحرب خوفاً من النتائج، على غرار الوضع الذي ساد ايام الحرب الباردة بين الروس والاميركيين، فهل هذا منطقي؟

سياسياً، يظن كل طرف ان الدعم الاميركي لصالحه، وان الشارع المحلي يؤيده، وهذا يسهل اتخاذ قرار الحرب. وهناك قضية خلاف على مساحة ارض وسكانها بين الدولتين. اضف الى ذلك، ان العقلية الهندية ـ الباكستانية متشابهة وسريعة الغضب، كما يوجد خلاف قديم وحروب بين البلدين تعمق سوء ظن كل طرف بالاخر، ويتصادف وجود حكم عسكري في باكستان، وحكم لحزب متطرف لم تشهد الهند الحديثة مثله للآن. هذه العوامل كلها لم تكن قائمة بين روسيا واميركا مما مهد لاستمرار الهدوء، بل ان روسيا واميركا لم تتحاربا، وانما حاربتا في نفس الخندق ضد النازية، كما ان بلديهما لم تجاورا في مناطق واراض كثيفة السكان.

ويجب بهذا الصدد مراعاة ان المستوى العلمي الروسي ـ الاميركي، كان، منذ بداية الحرب الباردة، افضل من المستوى الحالي لباكستان والهند، وهذا يعني وجود فرصة زمنية وفنية للانذار مما يهدئ النفوس، وبالطبع كان هناك الخط الاحمر المباشر بين الزعيمين لتجنب الحوادث الطارئة والعرضية التي قد تؤدي الى الحرب بالصدفة. وكان حجم التدمير المتوفر لدى كل طرف يلغي فكرة تدمير المخزون في ضربة اولية عند الطرف الاخر. كانت الحرب النووية تعني التدمير الشامل للطرفين.

ذلك كله غير متوفر في حالة الهند وباكستان حيث مدة الانذار لا تتعدى الدقائق، وبالتالي هناك تخوف متبادل من ضربة اولى، لان المخزون النووي لدى الطرفين قليل ويساعد على التخمين بقدرة حسم لصالح من يحسن اختيار اهداف الضربة الاولى، وقد يظن احد الطرفين، بايعاز من طرف ثالث، ان معلوماته الاستخبارية دقيقة حول اماكن تخزين السلاح النووي عند الطرف الاخر. كما يروج البعض ان الحرب النووية لن تقتل اكثر من 12 مليون نسمة، وليس ابادة البلدين.

لكل هذه الاسباب، وغيرها، لايمكن الارتكان لمقولة ان تملك الطرفين للسلاح النووي سيقلل من مخاطر الحرب. وهذا على مايبدو ما يشعر به قادة البلدان المجاورة، اذ يبذل قادة الروس والصين جهوداً مكثفة للقاء الطرفين تمهيداً لتقليل احتمالات نشوب الحرب التي قد تصيب الجيران كنتيجة لعدم الدقة، او كآثار للاشعاعات التي ستكون اشد من نتائج حادثة تشرنوبل.