عائدون إلى سربهم.. هشاشة أم تماسك؟

TT

... ما زالت النقاشات والتعقيبات تترى حول بيان «على أي أساس نتعايش؟» ومن أبرزها المقال الذي كتبه د. حمزة المزيني في «الشرق الأوسط» يوم الخميس 2002/5/30 تحت عنوان «عائدون إلى سربهم.. خارجون من البيان». ولا أريد ان اقف عند محتوى مقالته بالجملة، لكني اقتصر على ان اتأمل مليا آخر فقرة فيها التي أرى انها بالغة الأهمية، فقد ختم مقالته بالقول «ويشير هذا كله الى هشاشة البنية الفقهية للخطاب الديني والفكري المحلي. إني أزعم ان هذه العبارة حوت معاني كثيفة تستدعي مواقف شجاعة ودراسات جادة معمقة متأنية بحيث ان الذي يتصدى لانجاز ما يدعو اليه الكاتب سيجد ان البنية الفقهية التي وصفها بالهشاشة هي من جانب آخر شديدة التماسك، لانه يسندها تاريخ طويل من نمط البناء القوي الذي كرس لها دعائم قوية.

ان ما يدعو اليه الكاتب سيواجه مقاومة صلبة، تبتدئ بأن تنتزع منه حقه في ان يناقش ما يريد، هل يتوقع ان يجد من يستمع اليه عندما يناقش انزال النص على الواقع، ان ما يسميه ضبط وجوه الاستدلال بالنصوص الكريمة هو سؤال الأسئلة في حياتنا الفكرية المعاصرة، سيدخل الكاتب في مجال رجل العلم الشرعي الذي ينتهي بدرجة ما الى ان يكون وارثا «لعلم النبوة» او بدرجة ما الى ان يكون «نائبا» عن الشارع أو «مبلغا» عنه ولن يخلو المعنى الضمني لذلك من ان يكون «شارعا» بصورة ما او بدرجة ما، وهذا الأمر يمتد من فهم «مقاصد» المبلَّغ عنه والتمكن من «تنزيل» ذلك على واقع الناس، وهذا كله يستدعي الالمام الشامل بالتاريخ المتعاقب لقراءة الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة قراءة انطلق نحوها العلماء من قاعدتهم الثقافية المتأثرة بأحوال زمانهم السياسية والفكرية.

... هل المراجعة الجذرية أو الثورة الكوبرنيكية ـ حسب تعبيره ـ يمكن ان تجد من يقوم بها؟ أو هل أنشأت السلفية المحلية من داخلها أو من حوافها من يقوم بما يدعو له الكاتب؟ هل يغيب عنه ان هذا الخطاب تمتع عبر تاريخه بما سماه عبد المجيد الصغير بالسلطة العلمية وذلك في بحثه القيم: «الفكر الأصولي واشكالية السلطة العلمية في الاسلام» وهو كتاب يتعمق في قراءة نشأة علم الأصول ومقاصد الشريعة قراءة سجالية حوارية مع سياقاتها الاجتماعية والسياسية والفكرية.

... هل الخطاب الديني والفكري المحلي سيتيح له أو لغيره ان يبحث في تعليم الانثروبولوجيا الدينية من خلال كليات العلوم الاجتماعية كما دعا محمد أركون في كتابه «معارك من أجل الأنسنة في السياقات الاسلامية»؟!.

.. ان تغيير موقف أو التراجع عن رأي ما، بغض النظر عن الدوافع، ليس دليلا على الهشاشة في ما أحسب.

* كاتب سعودي