عرب أميركا.. وسياسات بوش

TT

يحتفظ الأميركيون العرب، عبر الطيف الواسع، بشعور قوي بالفخر بانتمائهم الاثني، غير انهم باتوا يشعرون بقلق متزايد بشأن سياسات رئاسة بوش. ونقدم هنا بعض نتائج استفتاء اجرته للمعهد العربي ـ الأميركي، في نهاية مايو (ايار) 2002 «مؤسسة زغبي انترناشينال». وشمل الاستفتاء 550 من الأميركيين العرب في مختلف انحاء البلاد، اختيروا بطريقة عشوائية، وتميز بهامش من الخطأ تبلغ نسبته 4.5 في المائة.

ووفقا للنتائج فان 43 في المائة فقط من الأميركيين العرب يمنحون رئاسة جورج دبليو بوش معدل اداء ممتاز او جيد، بينما يمنح 55 في المائة هذه الرئاسة معدل اداء حسن او بائس. وهذا معدل واطئ على نحو لافت للنظر، خصوصا في وقت تظهر فيه معظم الاستفتاءات في البلاد عموما ان الرئيس بتمتع بمعدل اداء ايجابي يبلغ 70 في المائة مقابلة نسبة 25 في المائة.

وهذا يكشف، ايضا، عن تحول في الرأي مما كان عليه الحال قبل ثمانية اشهر فقط عندما منح الأميركيون العرب، في استفتاء اجراه المعهد العربي ـ الأميركي (مؤسسة زغبي انترناشينال) في أكتوبر (تشرين الأول) 2001، الرئيس معدل اداء ايجابي بلغ 83 في المائة مقابل 15 في المائة فقط ممن اعتبروا الاداء سلبيا. وينبغي علينا ان نتذكر، ايضا، ان الرئيس فاز بأغلبية اصوات الأميركيين العرب في انتخابات عام 2000. ووفقا لدراسة اعدتها «مؤسسة زغبي انترناشينال» في اعقاب الانتخابات فان بوش حصل على 45.5 في المائة من اصوات الأميركيين العرب، بينما حصل آل غور على 38 في المائة، وحصل مرشح حزب الخضر رالف نادر على نسبة عالية من اصوات الأميركيين العرب بلغت 13.5 في المائة.

ويظهر الاستفتاء ان 67 في المائة من الأميركيين العرب ما زال لديهم رأي ايجابي بمعالجة الرئيس بوش للهجمات الارهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة يوم الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، مقابل 31 في المائة عبروا عن رأي سلبي. وهذا انخفاض من نسبة 88 في المائة ممن كان لديهم رأي ايجابي بمعالجته الهجمات في استفتاء أكتوبر 2001.

وجاءت المعدلات السلبية الاكثر دراماتيكية بشأن اداء الرئيس بوش في رد على اسئلة بخصوص سياسته الشرق أوسطية. فقد استحسن 23 في المائة فقط من الأميركيين العرب في استفتاء مايو 2002 سياسة ادارته تجاه الدول العربية، بينما اتخذ 56 في المائة موقفا سلبيا من سياسة الولايات المتحدة تجاه العرب. وعلى النقيض من ذلك اتخذت اغلبية بسيطة من الأميركيين العرب، في استفتاء أكتوبر 2001، موقفا ايجابيا من سياسة الادارة تجاه الدول العربية، وكان المعدل 40 في المائة ايجابا مقابل 37 في المائة سلبا. وعندما طلب منهم، في مايو 2002، تقييم معالجة الرئىس للنزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، كان المعدل ثلاثة الى واحد (34 في المائة ايجابا مقابل 73 في المائة سلبا).

وما يلفت الانتباه الى حد كبير هنا ان هذه المواقف ثابتة في كل الجماعات التي تشكل الجالية الأميركية ـ العربية. وبينما تبدو اكثر رسوخا بين بعض الجماعات، فانه ما من جماعة عربية تمنح سياسة الادارة معدلا ايجابيا. فعلى سبيل المثال، بينما يبلغ معدل الايجاب/السلب بشأن سياسة الادارة تجاه النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، بين الأميركيين العرب المولودين في الولايات المتحدة، نسبة 28 ايجابا مقابل 70 في المائة سلبا، تبلغ النسب المئوية في اوساط المهاجرين الأميركيين العرب 13 في المائة ايجابا مقابل 81 في المائة سلبا.

والمجال الآخر الذي يشعر الأميركيون العرب بقلق فيه ازاء سياسات ادارة بوش هو اقرب الى الموطن. فهناك 78 في المائة من الأميركيين العرب يشعرون ان هناك ملاحقة اكبر لجمع المعلومات عن الأميركيين العرب منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر. وبينما تنقسم الجالية، الآن، بالتساوي تقريبا، بشأن ما اذا كانت هذه المعاملة الانتقائية مبررة، فان حوالي ثلثي الأميركيين العرب يعبرون عن قلقهم من ان هذا الوضع سيؤدي، على المدى البعيد، الى تمييز اكبر ضد الأميركيين العرب.

وفي الشهر الذي اعقب احداث الحادي عشر من سبتمبر جرت طمأنة الأميركيين العرب بأن الرئيس جورج بوش يدافع عن حقوقهم المدنية ويحميها. ويبدو ان الامر ليس على هذا النحو في الوقت الحالي.

وعندما سئلوا في مايو عما اذا تحققت طمأنتهم عبر تعليقات الرئيس بوش وموقفه تجاه الأميركيين العرب منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، اجاب 54 في المائة من الأميركيين العرب ايجابا، بينما اجاب 35 في المائة سلبا. وقد انخفض هذا المعدل انخفاضا حادا بالمقارنة مع نتائج استفتاء أكتوبر 2001 عندما اجاب 90 في المائة من الأميركيين العرب ممن جرى استفتاؤهم بأنه تحققت طمأنتهم عبر رد فعل الرئيس تجاه الأميركيين العرب.

وتوضح هذه النتائج ان لدى الأميركيين العرب مشاعر قلق بشأن سياسات الادارة الخارجية والداخلية.

وفي محاولة معرفة أي تأثير يمكن ان يمارسه تغير في السياسة على مواقف الأميركيين العرب، توجهنا بعدد من الاسئلة المألوفة في استفتاء مايو 2002. فعلى سبيل المثال، عندما سئلوا عما اذا كانوا سيظهرون موقفا اكثر او اقل ايجابية تجاه الرئيس اذا ما «مارس ضغطا باتجاه اقامة دولة فلسطينية»، قال 70 في المائة من الأميركيين العرب المشاركين في الاستفتاء انهم سيكونون اكثر ايجابية، بيما قال 2 في المائة فقط انهم سيكونون اقل ايجابية تجاه الادارة. ومما يثير قلقا اقل من ذلك، لكنه ما يزال قضية هامة بالنسبة للكثير من الأميركيين العرب، هو استمرار فرض العقوبات على العراق. فقد قالت اغلبية من الأميركيين العرب (44 في المائة) انهم سيكونون اكثر ايجابية تجاه الرئيس اذا ما انهى العقوبات الاقتصادية ضد العراق، غير ان 22 في المائة قالوا انهم سيكونون اقل ايجابية تجاه الادارة. وفي طائفة اخرى من نتائج استفتاء مايو 2002 اكتشفنا انه على الرغم من غضب الجالية الأميركية ـ العربية على الارهابيين الذين شنوا هجوما على الولايات المتحدة، والتمييز الناجم عن ذلك في اعقاب الحادي عشر من سبتمبر، فان الأميركيين العرب، على العموم، واصلوا حفاظهم على شعور قوي بالفخر بانتمائهم الاثني وتراثهم.

وعلى العموم فان 89 في المائة من الأميركيين العرب صرحوا بأنهم فخورون جدا، او الى ابعد حد بانتمائهم الاثني. وهذه من الناحية العملية النسبة ذاتها (90 في المائة) التي كشف عنها استفتاء يناير (كانون الثاني) 2000 وهي اعلى قليلا من نسبة 87 في المائة المسجلة في استفتاء أكتوبر 2001. وقد اظهر استفتاء مايو 2002 انه بينما يشعر بعض الأميركيين العرب بقلق متزايد بشأن الاعلان عن انتمائهم الاثني منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر، فان معظمهم عبر عن رد فعل تجاه الهجمات الارهابية بطريقة مختلفة.

فمن ناحية اشار اكثر من 80 في المائة من الأميركيين العرب الى انهم عبروا عن رد فعل تجاه الهجمات الارهابية كما فعل معظم اقرانهم الأميركيين، عبر رفع الاعلام الأميركية، والمساهمة في صناديق الضحايا، او التبرع بالدم. ومن ناحية اخرى كان معظم الأميركيين العرب يريدون ان يوضحوا انهم لن يتنكروا لانتمائهم الاثني خلال هذه الازمة. فبينما افاد 73 في المائة انهم يشعرون بالفخر ذاته بإرثهم الاثني خلال الاشهر العديدة الماضية، فان 15 في المائة عبروا، في الواقع، عن شعورهم بفخر اكبر. واشار 8 في المائة فقط من الأميركيين العرب انهم اقل فخرا بانتمائهم الاثني منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر.

ومن اللافت للنظر، ايضا، ان نلاحظ ان 42 في المائة ممن جرى استطلاع آرائهم في استفتاء مايو 2002 قالوا انهم شاركوا في مناقشات بشأن احداث الشرق الأوسط بصورة اكبر بعد الحادي عشر من سبتمبر، بينما شارك 43 في المائة في هذه المناقشات بالمستوى السابق ذاته. واشار 14 في المائة فقط الى انهم اقل ميلا الى المشاركة في المناقشات العامة في الوقت الحالي.

ان ما يظهر من هذه المقارنة بين استفتاءات مواقف وسلوك الأميركيين العرب هو ان الجالية اتخذت رد فعل قويا تماما تجاه الازمة القاسية للأشهر التسعة الماضية. فقد واجهوا التمييز (20 في المائة اشاروا الى انهم واجهوا التمييز منذ الحادي عشر من سبتمبر). وكانوا خائفين ليس فقط من حدوث تراجع سلبي، وانما من آثاره على المدى البعيد. وكانوا غاضبين ومنزعجين بسبب الاعمال التي ارتكبها الارهابيون (عبر ثلثاهم عن احساسهم بهذه المشاعر). واظهروا، باعتزاز، نزعتهم الوطنية الأميركية، بينما حافظوا، في الوقت ذاته، على اعتزازهم بتراثهم العربي. واحتفظوا بقلقهم العميق بشأن النزاعات في الشرق الأوسط وسياسة الولايات المتحدة في المنطقة. وواصلوا التعبير، علنا، عن وجهات نظرهم حول ما يقلقهم. وتزايد شعورهم بالقلق تجاه سياسات ادارة بوش في معالجة هذه القضايا الخطيرة في الشرق الأوسط.

ان ما هو جدير بالملاحظة حقا هو مستوى الاجماع لدى الكثير من الجماعات المتنوعة التي تشكل الجالية الأميركية ـ العربية. وعلى الرغم من خضوعها للاختبار والامتحان القاسي فقد ظهرت الجالية، كما يبدو، قوية ونابضة بالحيوية، فخورة ومستعدة للعب دورها في المشاركة في مناقشة سياسة الولايات المتحدة.

* رئيس المعهد العربي ـ الأميركي في واشنطن