وهم «الحلول المتعجلة»

TT

تداعيات النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني وخصوصا احتمال ان يتسبب في عرقلة الجهود الرامية لاطاحة صدام حسين، تسببت في ظهور عدد من الخطط القائمة على اساس «حلول متعجلة»، يجمع بينها قاسم مشترك يتضمن ما يلي:

ـ ادارة النزاع بدلا من محاولة حله.

ـ التوصل الى اتفاق مؤقت بدلا من اتفاق شامل.

ـ اعادة تنظيم اجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية لجعلها اكثر فعالية في مكافحة الارهاب على ان تساندها قوات دولية.

ـ اجراء اصلاحات على اجهزة السلطة الفلسطينية.

ـ اقامة دولة فلسطينية معترف بها من المجتمع الدولي.

وبمجرد اجراء هذه التغييرات على الوضع الفلسطيني، تبدأ محادثات حول اتفاق نهائي على اساس المبادرة السعودية، على ان يقام مؤتمر عالمي على غرار «مؤتمر مدريد الثاني للسلام» لتمهيد الطريق امام تنفيذ المقترحات.

رغم ان هذا «الحل المتعجل» يبدو جذابا في ظاهره، فإنه يتضمن نقائص وعيوباً خطيرة.

اولا، فكرة شن السلطة الفلسطينية حملة فاعلة ضد الارهاب، واجراء اصلاحات حقيقية، لا تعدو ان تكون وهما. ربما يتساءل البعض عن كيفية ادراكي لذلك. اولاً، من واقع التعامل مع عرفات على مدى ثمانية اعوام، من جانب رؤساء اربع حكومات اسرائيلية، بمن في ذلك شخصي، بدا واضحا ان الالتزام تجاه هذه الاهداف كان مجرد حديث فقط. ثانيا، ليس للقادة العرب نفوذ حقيقي على عرفات، فهو يستمد قوته من التغطية التلفزيونية المستمرة للاحداث.

ثمة خطأ استراتيجي خطير في الخطة المذكورة. فهي في الواقع تكافئ الارهاب، اذ ان عرفات ظل يحاول على مدى عشرين شهرا فرض املاءاته على اسرائيل والعالم باستخدام الهجمات الانتحارية كأداة دبلوماسية. اسرائيل من جانبها لن تستسلم لذلك، كما يجب على الولايات المتحدة ألا تفعل ايضا. ان عرفات في حاجة الى الاقتناع بأنه لن يكسب شبرا واحدا من خلال اللجوء المتعمد الى عمليات القتل الجماعي للمدنيين الابرياء. ان الامر كله اذاً متعلق بالارهاب، ولو كانت المسألة ذات صلة بـ«الاحتلال»، فقد كان من المحتمل ان نكون قد اوشكنا على انهائه في يوليو (تموز) 2000، عقب قمة كامب ديفيد.

ان المبادرة السعودية خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح على المستوى التاريخي والرمزي، ولكن الخلل يكمن في التفاصيل، فهي في اساسها تجسيد للموقف العربي القديم في صيغة اخرى، اذ تنادي بإعادة حدود 1967 بدلا من اقامة حدود آمنة ومعترف بها. كما انها لم تذكر الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، ولم تعترف بأن حق العودة ينطبق على الدولة الفلسطينية وليس اسرائيل.

ان تبني المجتمع الدولي للمبادرة السعودية، «كما هي»، يعتبر مكافأة رئيسية للارهاب، ويعد خطرا يتهدد مستقبل وامن اسرائيل التي سترفضها حسب اعتقادي.

اما فيما يتعلق بالتعامل مع عرفات، فلنضع في الاعتبار بعض السوابق. لقد تفاوضت الولايات المتحدة مع صدام حسين الى ان اصبح من الواضح انه يحاول ازالة الكويت من الخارطة. عقب ذلك اتخذت الولايات المتحدة وحلفاؤها الخطوات اللازمة. وتفاوضت الولايات المتحدة ايضا مع سلوبودان ميلوشيفيتش خلال تفكك يوغوسلافيا، ولكن عندما اتضحت طبيعة نواياه واعماله والفظائع التي ارتكبها في كوسوفو، لم يكن هناك جدل كثير كونه «الزعيم المنتخب لشعبه»، فقد اتخذت ضده الخطوات اللازمة ايضا. ويعتقد الكثيرون في اسرائيل ان الوقت قد حان للتعامل مع ياسر عرفات بالمثل، اذ يجب ان يكون هناك موقف عالمي صلب وموحد تجاه عرفات، والا فلن يتحرك مطلقا. يجب ان تصبح مواقف الدول الاوروبية والامم المتحدة وروسيا اقرب الى الولايات المتحدة وليس العكس. اما فيما يتعلق بالدور الاسرائيلي، فإن الولايات المتحدة يجب ان تدعم اسرائيل في استراتيجية ثلاثية تتضمن الآتي:

ـ مكافحة متشددة ضد الارهاب وليس ضد الشعب الفلسطيني.

ـ فتح الباب امام الحوار في أي وقت على اساس مبادئ كامب ديفيد من دون أي شروط مسبقة سوى غياب العنف.

ـ اقامة حواجز امنية حول اسرائيل والمجمعات الاستيطانية كجزء من عملية من جانب واحد لفصل الطرفين طالما ليس هناك شريك فلسطيني لاتفاق سلام.

* رئيس الحكومة الاسرائيلية السابق ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»