لبنان... لعبة الطائفية المستمرة

TT

الانتخابات الفرعية في منطقة المتن الشمالي في جبل لبنان وما رافقها من معركة شرسة داخل عائلة المر بين ميرنا المر وعمها غبريال، تمثل نموذجا مصغرا لحالة التشرذم التي يعيشها النظام الطائفي اللبناني، ولا شك ان الفارق الضئيل بين اصوات المتنافسين يدل على حجم الانشقاق داخل كل منطقة وكل طائفة لبنانية، وهو دليل على فشل المشروع الطائفي وتأزمه الداخلي، وهو رسالة صريحة تدعو العقلاء في لبنان ومن كافة الطوائف الى الخروج من سجن الطائفة الى استنشاق هواء وطني في سماء رحب هو لبنان المتعدد.

معركة انتخابات المتن الشمالي شارك فيها العماد عون من منفاه الباريسي، وشارك فيها سمير جعجع من سجنه، وكذلك الحال بالنسبة الى أمين لحود ونسيب لحود، ولم يكن رئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء بعيدين عنها، ووصل الامر بأن اتهم وزير الداخلية رئاسة الوزراء بالتدخل لدى القضاء لانجاح غبريال المر، وقدم استقالته وهو ما حدا بأحد النواب المؤيدين للحريري الى القول ان استقالة وزير الداخلية تدخل في اطار «الدلع السياسي»!! لعبة الكلمات المتقاطعة في حرب الطوائف اللبنانية تبدو للمراقب من الخارج انها لعبة معارضة وحكم، ولكن حقيقتها هي لعبة طوائف بامتياز، وانها كالفجل الاحمر يخدعك منظره الخارجي عن معرفة لونه الحقيقي، ففي معركة انتخابات المتن الشمالي كانت المعارضة ممثلة بأمين لحود، وميشيل عون، ونسيب لحود، والقوات اللبنانية، بينما كان المحسوبون على الحكم يمثلهم الكتائب اللبنانية والقوميون السوريون والطشناق، وفي كل الحالات كانت المعركة الطائفية هي المعركة الحقيقية او على الاقل كانت لعبة الصراع داخل الطائفة الواحدة هي الشكل الاكثر وضوحا.

مشكلة لبنان الكبرى هي ان ملوك الطوائف كانوا قادة لبنان قبل الحرب الأهلية، وكانوا قاعدة الحرب الاهلية بعد ذلك، ثم عادوا ابطالا منقذين للبنان بعد اتفاق الطائف، وظل هؤلاء بعقليتهم وعقدهم الشخصية والطائفية يشكلون عازلا قويا ضد التغيير، وسببا رئيسيا في غياب الدماء الجديدة في الطبقة السياسية والنخبة الثقافية داخل المجتمع اللبناني، وسيخطئ اللبنانيون اذا استمروا داخل شرنقة الطوائف، وعقلية الانعزال والخوف من الآخر، والاعتقاد ان الصراع وليس التفاهم هو عنوان الحياة السياسية اللبنانية.

معركة المتن الشمالي هي صورة مصغرة للازمة. فهناك توازن طائفي رهيب، وهناك اسماء لا علاقة لها بالمسميات، وهناك مخرج واحد يتيم من هذه الحرب الطائفية العبثية، وهو الخروج من لعبة الطوائف، وتجديد الدماء، والتفكير بعقلية جديدة في ظل تعددية لبنانية جميلة ضاع جمالها في غمرة الاحتقان والتناحر الطائفي.