في ما يتعدى انتخابات المتن

TT

قد تكون العبرة غير الظاهرة من تجربة انتخابات الاحد الماضي في لبنان اثباتها ان السلطة التنفيذية أصبحت أعلى مراتب الاقطاع السياسي في ظل نظامه الراهن.

في اي دولة من الدول البرلمانية في العالم يستوجب الاعلان عن نتيجة انتخابية «ترجّي» السلطة المسؤولة عنها «الافراج» عن الارقام ونشرها على الملأ؟وفي اي دولة من دول العالم تكون نتيجة فرز الاصوات عرضة للتجاذب بين جهتين رسميتين ومسؤولتين؟

لافت أن تكشف تجربة انتخابات فرعية في دائرة المتن الشمالي ان العملية الانتخابية في لبنان لا تزال أقرب الى «المنة» منها الى «الحق» المكتسب للبنانيين، رغم انقضاء قرابة الثمانين عاما على تمرسهم باللعبة الانتخابية وألاعيبها. المطلوب الان تجنيب لبنان الوقوع في مأزق سياسي لا تكمن خطورته في توقيته الخاطئ فحسب بل في تفجره في الدولة الشرق اوسطية الوحيدة التي يشكل نظامها البرلماني ـ ولا نقول الديمقراطي ـ الضمانة الفعلية لكيانها السياسي. على هذه الخلفية بالذات باتت الدولة ـ كل الدولة لا بعضها فقط ـ مطالبة بقطع الطريق على تفاعل النزاع الانتخابي حزبيا وطائفيا واعلان انتصار المعارضة ، ولو متأخرة، فلا الظرف الراهن يسمح بتحميل لبنان أزمة تبدأ داخلية وتنتهي، كالعادة، صراعا للاخرين على ساحته، ولا انتخابات فرعية على مقعد واحد فقط قادرة على التسبب في خلل جذري في موازين القوى البرلمانية... فبقدر ما نفّست انتخابات المتن من حالة الاحتقان في الشارع اللبناني، ابرزت خطورة المس بآلية اللعبة الانتخابية واكدت، في الوقت نفسه، على أهمية الحفاظ على النظام الانتخابي في لبنان كونه «بوتقة الانصهار» العملية لمجتمعات لبنان الطائفية، التي لا تزال في مرحلة «الاستيطان» لا المواطنة.

باختصار، إن جازت قراءة نتيجة انتخابات المتن بمنظور الربح والخسارة يجب ان يكون الرابح الاول فيها النظام الانتخابي الذي تكرّس ـ على علاته ورغم اشكاليتي العوازل وعد الاصوات ـ حكما مقبولا من جميع الاطراف اللبنانية في نزاعاتها السياسية.

الا ان السؤال يبقى: أي معارضة من المعارضات التي خاضت انتخابات المتن كانت الفائزة فيه؟ بين معارضة «تصفية الحسابات الشخصية» ومعارضة «تحدي» توجهات الدولة الخارجية ومعارضة «قم لأجلس مكانك»... تبدو انتخابات المتن اقتراعا احتجاجيا على منحى العهد من «اهل البيت» انفسهم (على اعتبار ان المتن الشمالي هو الدائرة الانتخابية لرئيس الجمهورية) أكثر منها تأييدا لخط معارض واضح المعالم ومحدد الصيغة. وإذا كانت هذه النتيجة تشكل دعوة لحوار بين المعارضة المتنية والرئاسة المتنية للبنان، فهي تستوجب ايضا استكمال «المعارضات» اللبنانية انتصار المتن بانتصار آخر على الذات يبدأ بعودة ما سمي بـ«المعارضة المسيحية»، اي لقاء «قرنة شهوان»، الى اطار المعارضة الوطنية الاوسع بدءا بترميم جسورها مع كتلة «اللقاء الديمقراطي» وتحديد اولوياتها الداخلية... ليس فقط لازالة السمة الطائفية عن تركيبتها وطروحاتها بل للتأسيس لمعارضة مسؤولة على مستوى الوطن تكون، عمليا، الوجه الآخر للحكم وتأخذ في الحسبان الابعاد الواقعية لتشابك العوامل الاقليمية مع الطروحات الداخلية... فتضبط وتيرة تحركها على ايقاعي الخارج والداخل معاً ولا تقع في خطأ توقيت قد يكلفها خسارة قضيتها.