الموقف لا يحتمل فشل مؤتمر جديد

TT

لم تصل الحالة السياسية في منطقة الشرق الاوسط الى ما وصلت اليه الآن من ظروف بالغة التعقيد، تبدد الأمل في احتمالات الوصول الى سلام ترتضيه شعوب المنطقة ليعم الامن والاستقرار، فقوات شارون المسلحة مازالت تجتاح مدن وقرى الضفة الغربية وقطاع غزة تهدم المباني، وتقتل وتعتقل من تشاء بدون رادع، وتواصل توسيع المستوطنات في تحد مثير لمشاعر الشعب الفلسطيني وخرق لاتفاقية جنيف، وتناقض مع توصيات سابقة للمندوب الامريكي السيناتور السابق جورج ميتشيل التي أوصى بها منذ اكثر من عام حيث اصبح هناك حوالي 200 الف اسرائيلي في الضفة الغربية الى جانب 175 ألف اسرائيلي يعيشون في اراضي ضمت الى القدس الشرقية المحتلة التي ضمت بدورها الى اسرائيل، وفي غزة يعيش حوالي 3000 مستوطن يهودي في مستوطنات تحرصها قوات مسلحة.

موقف شارون العدواني وضع منذ انتخابه رئيسا للوزراء حيث اعلن صراحة رفضه تنفيذ الاتفاقيات التي سبق توقيعها بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية، ورفضه ايضا لاقامة دولة فلسطينية رغم الاجماع الدولي على ذلك واتخاذه موقفا معاديا للسلطة الوطنية ورئيسها المنتخب ياسر عرفات، وهو موقف وصل ذروته بعد اقتحام القوات الاسرائيلية لمدن الضفة الغربية وتحديد اقامة ياسر عرفات في رام الله التي اقتحمتها في 29 مارس (آذار)، اليوم التالي مباشرة لصدور قرار بمبادرة السلام، وهكذا وصل الموقف الى حالة من التعقيد لم تعرفها المنطقة من قبل الى انبعاث نشاط دولي لمحاولة الوصول الى تسوية سلمية، خاصة بعد ان ظهر ان وعود شارون بتحقيق الامن لم تعد سوى سراب وأوهام بعد استمرار الانتفاضة وعملياتها الاستشهادية.

والملاحظ ان المساعي والاتصالات الدولية، امريكية وأوروبية قد ازدادت كثافة خلال الفترة الماضية، فقد وصل خلال اسبوع واحد كل من وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية وجورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات الامريكية وخافيير سولانا الممثل الاعلى للأمن المشترك والسياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي، وقام اسامة الباز مستشار رئيس جمهورية مصر بزيارة اسرائيل ومقابلة شارون وعدد من المسؤولين في حكومته في تحرك غير مسبوق، وكانت كل هذه المحاولات تستهدف وقف العنف والعودة الى المفاوضات وعقد مؤتمر جديد للسلام خلال شهر يوليو (تموز) القادم.

ولكن ارئيل شارون كانت له وجهات نظر خاصة، فقد ابلغ المندوب الامريكي بأن الخطوة التي يجب ان تسبق المفاوضات هي اصلاح السلطة الوطنية الفلسطينية ووضع حد لنظام ياسر عرفات الديكتاتور ـ حسب قوله ـ وهو ما يعتبر تدخلا في صميم صلاحيات السلطة الفلسطينية، كما انه سرب الى الاعلام الاسرائيلي بعض ما طلبه من الدكتور اسامة الباز عند مقابلته له مثل ضرورة تعيين سفير مصر في اسرائيل، والافراج عن الجاسوس عزام عزام الذي يقضي مدة عقوبته التي قضت بها المحكمة في السجون المصرية، وهذا الموقف يثبت انه ليس في خطة شارون التخلي عن العنف أو حسن تقدير الامور بعد ان استجابت السلطة الوطنية الفلسطينية الى الدعوة بوقف العمليات الاستشهادية، واظهار استعدادها للاصلاح الداخلي، فهو مازال مصرا على اشاعة التوتر واستخدام اساليب عسكرية تدفع الشعب الفلسطيني الى استخدام كل وسائله المتاحة والممكنة لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي.

ورغم الاتفاق الذي ادى الى عدم حضور لجنة تقصي الحقائق التي اقرها مجلس الامن للبحث في حقيقة الجرائم التي ارتكبت في معسكر جنين والتي كانت ستشكل وصمة في جبين العسكرية الاسرائيلية، وتدفع الى تقديم المسؤولين عنها الى محاكم جرائم الحرب الدولية، الا ان اعمال الاجتياح الاسرائيلي لم تتوقف رغم فشل شارون الواضح في تحقيق الامن لشعبه أو للمنطقة، ولم تتخذ الادارة الامريكية موقفا واضحا للضغط على شارون أو التجاوب مع المبادرات العربية لاقرار السلام التي تمثلت في مبادرة القمة ببيروت، وبيان مؤتمر شرم الشيخ الذي صدر عن مصر والسعودية وسورية.

والواضح حتى الان أن رؤية الادارة الامريكية للموقف لا تتجاوز الدعوة لعقد مؤتمر دولي للسلام في المنطقة قبل، وهو مؤتمر لم تتضح معالمه حتى ساعة كتابة هذه السطور، ولم تعرف الدول التي ستوجه لها الدعوة خاصة من الدول العربية، ولم تتحدد مرجعية المؤتمر واهدافه وبرنامجه الزمني ومستوى التمثيل فيه مما يظهر ان فكرة المؤتمر ذاته غير ناضجة وغير واضحة، لان مؤتمر مدريد الذي انقضى عليه اكثر من عشر سنوات مازال هو المرجعية التي ارتضتها جميع دول المنطقة، والخشية ان يكون تكرار انعقاد مؤتمر دولي عملية غير مثمرة ومحصورة في اطار المشاورات التي لا تنتهي والتي تتيح لحكومة شارون ممارسة لعبتها المفضلة في المناورة والمراوغة معتمدة على مساندة اللوبي الصهيوني في امريكا من جهة واعتماد شارون على اغلبية مطلقة لحكومته من جهة اخرى، ولعل عدم وضوح فكرة المؤتمر هو ما دفع الى صدور قرار امريكي بتأجيل موعده حتى يتم الاتفاق على الصيغة النهائية له، مما اعطى لحكومة شارون فرصة مواصلة عملياتها العدوانية العسكرية ضد شعب فلسطين بدون تراجع أو اظهار لنية السير في طرق التسوية السلمية.

وتأتي دعوة الادارة الامريكية للرئيس حسني مبارك للتشاور معه في كامب ديفيد ثم دعوة ارئيل شارون للحضور الى واشنطن بعد يوم واحد من سفر حسني مبارك في اطار الحرص على معرفة رأي جميع الاطراف ومحاولة التقريب بينها للوصول الى صورة واضحة للمؤتمر اذا تقرر انعقاده فعلا خاصة انه يجب حل كثير من القضايا قبل الجلوس على مائدة المفاوضات، ونتائج هذه الاتصالات لم تعلن حتى كتابة هذه السطور، ولذا فإن الامور لم تتبلور بعد حول فكرة المؤتمر من حيث التشكيل والتوقيت والاهداف ومستوى التمثيل وموافقة جميع الاطراف عليه، وهي قضايا تحتاج الى وقت وبحث، لان الموقف لا يحتمل فشل مؤتمر جديد بعد ان طويت تقريبا صفحة مؤتمر مدريد.