المجتمع المدني الفلسطيني

TT

معظم الحديث الدائر حاليا عن الاصلاحات في السلطة الفلسطينية يتناول مؤسسات السلطة والشفافية المالية مع تركيز شديد على المسائل الامنية، في حين ان المجتمع المدني الفلسطيني بمؤسساته الشعبية والاهلية لا يحظى بالاهتمام المطلوب، وهو امر لا يتناسب مع حيوية قوى هذا المجتمع والدور الريادي الذي لعبته النخبة الثقافية والفكرية لهذا المجتمع، ليس فقط في الاراضي الفلسطينية ولكن ايضا في الثقافة العربية بشكل عام.

وقد يعتقد البعض ان الحديث عن المجتمع المدني الفلسطيني وسط المعارك والقصف والحصار والقتل نوع من الرفاهية، او الترف الذي لا يتناسب مع معطيات الواقع، لكن اهمال هذا الجانب يصب في مصلحة السياسة التي يبدو ان الحكومة الاسرائيلية تحاول جر المجتمع الفلسطيني اليها حاليا، وهي اضعافه واجهاض قواه الحقيقية الحية التي تستطيع ان تشكل سياجا فكريا وثقافيا واخلاقيا للأمة الفلسطينية.

واذا كان السياسيون في قمة السلطة الفلسطينية وقادة المنظمات الفلسطينية الاخرى الموجودون على الارض يشكلون الواجهة التي تدير الصراع الدائر حاليا، فان هذه الواجهة ستكون فارغة وعرضة لأي رياح ضعيفة تطيح بها اذا لم يكن هناك مضمون حقيقي يدعمها ويرسم لها الاطار العام لطموحات الشعب الفلسطيني، وهذا المضمون هو النخبة الفكرية النشطة المفترض ان تعكس الضمير العام للشعب.

والملاحظ خلال السنوات الماضية ان صوت هذه النخبة خفت بشكل كبير. وحتى خلال الانتفاضة الحالية لم نسمع لها صوتا واضحا يعبر عن رأيها في الاحداث بمختلف ادوات التعبير المعروفة ثقافيا وسياسيا، ولم نر اعمالا فنية تعكس حياة الناس، على عكس الانتفاضة الاولى التي جرت في الثمانينات، حيث تعكسر المجتمع الفلسطيني بشكل كبير، وأصبح الصوت الوحيد المسموع على الساحة هو المنظمات المختلفة، وقادة اجهزة الامن التابعة للسلطة.

واذا كانت السلطة قد اضطرت اكثر فأكثر الى الاعتماد على اجهزة الامن، بحكم ما تتعرض له من ضرب، فان الاتجاه الفكري لبقية المنظمات المطروحة على الساحة، شمولي لا يساعد على ازدهار ثقافة او مجتمع مدني نشط تستطيع ان تفكر فيه نخبته بشكل حر وتجادل في القضايا المصيرية بدون خوف.

والمؤمل ان يكون الاتجاه نحو انتخابات تشريعية ورئاسية والذي اعلنته السلطة الفلسطينية بداية نحو تنشيط دور النخبة الفكرية والثقافية والسياسية داخل المجتمع الفلسطيني لتستعيد دورها، بمعنى ان تمنح المساحة الكافية لكي تستطيع ان تتحرك وتعبر عن رأيها بشكل صريح حول المسيرة الماضية والمستقبل.

وهذا هو الضمانة الاكبر من اجل هزيمة اي مخططات تحاول اجهاض النضال الفلسطيني في اتجاه اقامة الدولة المستقلة والحصول على موقع في الخريطة يتناسب مع حقوق وطموحات هذا الشعب.