في اللغة.. بلاد الكرج والكرجيات

TT

حضرت قبل اسابيع حفل منح الدكتوراه الفخرية في الاداب للشاعر واللغوي رواد طربيه. وفي كلمة الشكر التي القاها جاء على ذكر دولة جورجيا وقال ان العرب سمتها «بلاد الكرج». وبعد الحفل سألته ماذا تعني كلمة «الكرج»، فقال انه لا يعرف ولا يعرف سبب التسمية. والمعروف عن رواد انه استاذ العربية في معهد اللغات الشرقية في باريس وفي جامعة السوربون ومن اللغويين الذين استعانت بهم مجامع المغرب وجامعات المشرق، لكن لم تحضره تلك اللحظة الاجابة.

وبدأت منذ ذلك الوقت اسعى لمعرفة اصول الكلمة. من «تاج العروس» الى «لسان العرب». ورأيتها ترد كثيرا في «تراجم رجال القرنين المعروف بالذيل على الروضتين». فمرة يقول انه في سنة 606 «نزلت الكرج على خلاط في خلق عظيم مع ملكهم إواي ». ومرة ينقل عن «ابو المظفر» ان الملك العادل سيف الدين ابو بكر محمد بن ايوب امتد ملكه «من بلاد الكرج الى همذان والجزيرة والشام»، فكيف اختصرت المسافات فورا من جورجيا الى همذان، بلاد صاحب المقامات الشهير ابي الفضل بديع الزمان الهمذاني الذي قدم له وشرح مقاماته «الفائقة وقصائده المؤنقة» الشيخ محمد عبده، ولكن ليس دون استحياء من بعض ما فيها. اذ قال: «ما ينبغي التنبيه عليه هو ان في هذا المؤلف من مقامات البديع رحمه الله افتتانا في انواع من الكلام كثيرة ربما كان منها ما يستحي الاديب من قراءته». جورجيا، او بلاد الكرج، هي ايضا بلاد يوسف ستالين، خَلَف لينين وحاكم الجمهوريات الخمس عشرة، ومرعب الازمنة والمحدثين. وهي كذلك بلاد ادوارد شيفارنادزه، اول وزير خارجية سوفياتية بعد ثلاثين عاما من اندريه غروميكو. ومعه بدأ تفكك الامبراطورية التي شد عزمها مواطنه الراحل، ويقال انه كان على علاقة خفية ما بالاميركيين. ويقال العلاقة لا تزال. وفي رواية اخرى يقال اكثر. وهو لا يزال حاكم بلاد الكرج في اي حال.

ومن حيث اللغة وحدها فقد قال ابن منظور ان الكرج هو الذي يلعب به، فارسي معرب، وهو بالفارسية كرة. قال جرير:

لبست سلاحي والفرزدق لعبة عليها وشاحا كرَّجٍ وجلاجله وقال:

امسى الفرزدق في جلاجل كرج بعد الاخيطل، ضرة لجرير وقال ابن الاعرابي كرج الشيء اذا فسد. قال، والكارج الخبز المكرَّج. والكرَج اسم موضع. ولم يقل ما هو ذلك الموضع. ولعله جورجيا بالذات وقد حرَّف لفظها. او بالاحرى اخذ عن اللفظ الروسي، وهو كروزيا، كما افادنا بذلك زميلنا العزيز اياد ابو شقرا. وايام السلطنة العثمانية اشتهرت الكرجيات في القصور لجمالهن وكن من حظ اصحاب الحظوظ. ولذا شاع لقب كرجية في وصف الجمال، حتى ولو لم تكن صاحبته من اهالي جورجيا. ومنها على الارجح كلمة «كربوجي» بالعامية، وهو الوصف الذي يطلقه دريد لحام على حسناوات «حارة كل من ايدو الو». اي له.

اما لماذا كان الاقدمون يضعون سابقة «بلاد» امام الدول والامم فلأن الدولة لم تكن معروفة بالمعنى الحديث. لذلك قالوا بلاد الشيشان وبلاد الهند والسند. وقالوا بلاد الصين. وقالوا بلاد الزنج. وقالوا بلاد ما بين النهرين، دجلة والفرات. وقالوا بلاد الشام.