المونديال.. والسعودة.. والعولمة

TT

خلال زيارة الى السعودية اخيراً، كانت اكثر كلمة سمعتها او قرأتها هي «السعودة». فالسعوديون يتحدثون عن اهميتها في اطار سياسة التوظيف ومعالجة مشكلة البطالة خصوصاً في اوساط الخريجين والشباب عموماً، وكذلك في اطار الجهد العام لاحلال العمالة الوطنية محل الاجنبية. اما «الوافدون» فيتحدثون عن السعودة من منظور القلق على وظائفهم، او مما يعتبرونه تغليباً لمفهوم «السعودة» على مفهوم «المنافسة» او «الكفاءة».

الحقيقة التي لا جدل فيها، ان من حق كل بلد ومن واجب كل حكومة ان تعمل على توفير الوظائف وفرص العمل لمواطنيها، والسعودية ليست استثناء في هذا الامر، بل ان كل دول الخليج تطبق منذ فترة سياسة احلال العمالة الوافدة بعمالة محلية، كما ان كل دول العالم تعطي الاولوية في فرص العمل لأبنائها، لكن مع مراعاة امرين مهمين:

الاول هو الاحتفاظ بالكفاءات الاجنبية، او استقطابها، لأن في وجودها مصلحة للعمل وللبلد، ولذلك نرى دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة والمانيا واليابان وبريطانيا تشجع وتستقطب الكفاءات من كل مكان.

الامر الثاني هو تدريب الكفاءات المحلية من خلال التدرج في الوظيفة بحيث يصعد الشخص السلم الوظيفي متسلحاً بالخبرة التي تجعله يدير عمله بنجاح حتى لا يتأثر العمل وبالتالي المنشأة التي يديرها الشخص.

خطر كل ذلك ببالي خلال متابعتي لمباريات المنتخب السعودي في مباريات كأس العالم، اذ كان لا بد للمرء وهو يتابع، ان يسعى لتحليل الاسباب وراء النتائج المخيبة للآمال لبطل آسيا الذي ابلى بلاء حسنا في كأس العالم في الماضي، ليخرج الان وفي شباكه اكبر عدد من الاهداف يسجل في هذا المونديال حتى الآن في شباك اي فريق. لقد اعتبر معظم النقاد ان مدرب الفريق يتحمل القسط الاكبر من المسؤولية، خصوصاً بالنسبة للمباراة الاولى امام المانيا التي لعب فيها المنتخب السعودي بخطة وبأداء جعلاه اقرب الى المتفرج. وقارن كثيرون بين أداء السعودية ومنتخبات اخرى، مثل السنغال والكاميرون وجنوب افريقيا واليابان وكوريا، فكان اللافت للنظر ان مدربي هذه الفرق المذكورة هم من الخبرات الاجنبية. كما كان لافتاً للنظر ان معظم الفرق في نهائيات كأس العالم ضمت نسبة كبيرة من اللاعبين الذين يلعبون في اندية اجنبية وبالذات اوروبية، مما جعلهم يكتسبون خبرات ومهارات في الدوري الاوروبي الذي يعتبر حالياً الأهم في العالم.

هذه «العولمة» الرياضية افتقدها المنتخب السعودي، ربما بسبب التطبيق الحرفي للسعودة. فاللاعبون السعوديون لم توفر لهم فرص اللعب في الخارج، بينما القيود المفروضة على تسجيل اللاعبين الاجانب من خلال تحديد عددهم لكل فريق، تجعل فرص الاحتكاك مع اللاعبين الاجانب محدودة جداً بالمقارنة بما يحدث في اندية اوروبا مثلاً. اما بالنسبة للتدريب فان منتخبا مثل انجلترا مثلاً لم يجد غضاضة في تعيين مدرب سويدي، والعديد من منتخبات الدول النامية كذلك جاءت بمدربين اجانب للاستفادة من خبراتهم.

ولعل تجربة المونديال تكون مفيدة بالنسبة لأهمية التوفيق بين «السعودة» و«العولمة» في الرياضة وغيرها.