تجدد ذخائر اللعبة الإعلامية الإسرائيلية

TT

ظهرت عشية رحلة شارون السادسة الى واشنطن، وترددت بعد الرحلة شعارات جديدة في الحرب الاعلامية الأبدية التي تديرها الاوساط الصهيونية للهيمنة على الرأي والقرار الاميركيين. بعض تلك الشعارات قديم يتواصل ذكره، وبعضها تجدد من الماضي، ولكن هناك ايضاً نغمات جديدة وبعضها مليء بالعنصرية.

من القديم المتواصل شحطط شارون اغنياته بعدم التفاوض او الحديث في الحلول قبل ان يتوقف «الارهاب الفلسطيني». لا جديد هنا عن الارهاب الاسرائيلي، ولا عن ما هو المعروض اذا رفع الفلسطينيون أيديهم. ومن القديم المتجدد هناك شعارات وتنظيرات لضرب العراق قبل حل قضية فلسطين، وهذه تستحق بعض المراجعة قبل الخوض في تفحص احدث الذخائر الاسرائيلية.

الخصمان(!) باراك ونتنياهو استُنفرا مع الكثير غيرهم قبيل وصول خصمهم(!) الثالث شارون وسبقوه الى واشنطن وأنتجا عشرات المقابلات التلفزيونية والمقالات الصحافية وتسريب التحليلات والاخبار لاطراف اخرى ليتصديا للآراء الاميركية الدافعة الى فرض حل سلمي اميركي على الفلسطينيين والاسرائيليين. هذا صراع حقيقي يدور في واشنطن الآن للتأثير على صيغة الحل التي يرسمها الرئيس بوش... لنقرأ ما قاله سفير اسرائيل السابق لدى الامم المتحدة دوري غولد بعد ان طالب بتكثيف الحملة الاعلامية الاسرائيلية «على الطبقات العليا في المجتمع الاميركي»، لأن «الشارع الاميركي يقف في صفنا ويدعم اسرائيل بشكل واضح». وقال غولد انه يرفض ان تكون خطة بوش مطابقة لخطة كلينتون في كامب ديفيد لان بوش عندما دخل البيت الابيض اخبر اسرائيل ان خطة كلينتون لم تعد ملزمة، واضاف غولد لصحيفة «يديعوت احرنوت» عن الصراع في واشنطن «وزارة الخارجية تبدي تعاطفاً اكثر تجاه عرفات... مسؤولو وزارة الدفاع الاميركية ومجلس الامن القومي ومكتب نائب الرئيس الذين يديرون حرباً عالمية ضد الارهاب ويعدلون كفة الميزان لصالح اسرائيل».

بوضوح اكثر فأن الاوساط التي ذكرها غولد وبفضل الايحاء من باراك ونتنياهو وبالطبع عبر اللوبي الصهيوني، تقول: ان الرئيس ووزير خارجيته يميلان لاسترضاء العرب بحل معقول للقضية الفلسطينية حتى يكسبا الدعم لضرب العراق ولمواصلة الحملة ضد الارهاب من دون معارضة رسمية او شعبية عربية. لكن هذا النهج في نظر هؤلاء خاطئ، والافضل بالنسبة لهم هو البداية بضرب العراق وتغيير نظامه ومواصلة الضرب لايران وسورية، الامر الذي سيحد من آمال وآفاق «الارهابيين» ويهزم الاصولية في المنطقة. هذا ما قاله باراك ونتنياهو وشارون وعشرات الانصار في الاعلام ونسجوه في الكونجرس ومجلس الشيوخ ووزارة الدفاع. ذلك الطرح ليس جديداً، ولكن يتم شحذه الآن لتعطيل خطة بوش التي لا تناسب اسرائيل مهما كان محتواها، طالما انها تؤسس لدولة فلسطينية وتفرض الهدوء ضمن ضمانات دولية واميركية. النهج الاسرائيلي، سواء بصدد شعار ضرب العراق او مقولة استعداد اسرائيل للسلام ورفضه من عرفات، هذا النهج يفضح نفسه يومياً، ولكننا للأسف ما زلنا اضعف من التأثير الحقيقي في الولايات المتحدة لكشف دعاية اسرائيل. ان نظرية ضرب العراق العرجاء تتعكز على مقولة ان النظام لديه اسلحة تدمير شامل، ولكن لا احد يتساءل لماذا نتحدى رغبة دول المنطقة ونهاجم نظاما بتلك الاوصاف (اياها) ويملك هذه الاسلحة؟ أليس من المحتمل ان يرد بها وهو يعرف مصيره المحتوم؟ واذا كان لا خوف من اسلحته في الحرب فلماذا نهاجمه اذاً؟ رغم تجربتنا العقيمة فهناك من يصدق احتمالات تطور الحل مع قادة اسرائيل الحاليين وخصوصاً مع «الحمامة» باراك الذي يكثر من اتهام الرئيس عرفات بالحديث بلسانين متناقضين، فماذا عن تشعبات لسانه هو وافكاره المتجانسة إذاً؟

قبل شهر قال باراك في «النيويورك تايمز ريفيو» اشياء كثيرة اثناء حديثه عن كامب ديفيد، منها: «انهم (عرفات وفريقه) يريدون دولة فلسطينية على كل فلسطين. ما نراه نحن عادياً بإقامة دولتين لشعبين، هم يرفضونه». ثم يقول ان قوة اسرائيل الآن قد تدفعهم لتأجيل هدفهم «والآن هم يقبلون بهدنة مؤقته على غرار هدنة الحديبية». ويعطي باراك هذه الهدنة تعريفاً بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تقبل الصلح مع قريش وهو ضعيف ونقضه عندما قوي. وقد انتشرت هذه الاطروحة بعد ذلك في عدة مقالات ومواقع انترنت اميركية بهذا الشكل المزيف المراد منه ادعاء نقض المسلمين للعهد. عاد باراك ليكرر «عرفات يعتقد ان اسرائيل لا تملك الحق بالبقاء، وهو يسعى الى تدميرها... عرفات لا يعترف بأمة او شعب يهودي، ولكن بديانة يهودية فقط لانها ذكرت في القرآن». حتى هنا يفترض على الانسان ان يتساءل: ولماذا تفاوضتم مع عرفات، او تريدون التفاوض، او تقولون اذا فعل كذا سنوافق على الحل، اذا كانت الامور بهذا الوضوح؟ لكن الادهى هو ما قاله باراك (داعية السلام) بعد ذلك عن العرب والفلسطينيين.

بالنسبه له فإن العرب كلهم لا يفلح معهم حتى جهاز كشف الكذب لأنه متأصل في طبائعهم وممارساتهم الى درجة انه لا يؤثر في جلودهم ومشاعرهم وهم يمارسونه. وفصل اكثر عن الجيران الفلسطينيين، اذ قال «انهم من انتاج ثقافتهم التي لا تعتبر قول الكذب بمثابة انعدام للصدق. انهم لا يعانون من مشكلة قول الكذب كما هو الحال لدى الثقافة اليهودية المسيحية. الصدق يبدو لهم كمرجع هامشي. هناك فقط الشيء الذي قد ينفعك او لا ينفعك...».

هل يمكن بعد سماع هذا النقل الحرفي لكلام باراك بهذا الوضوح العنصري، تصديق ان ذلك الرجل اراد او يريد السلام مع قوم مثلنا يراهم من ذلك المنظار؟ اليست كل اقواله حول السلام والمفاوضات تضليلاً للرأي العام لانه لا يريد القول علناً بأنه يرفض السلام مع العرب، بل يريد إلصاق التهمة بأي شكل بأنهم يرفضون السلام؟ لقد ادخل باراك هنا عدة مستجدات في ذخيرته الاعلامية ووزعها على اعضاء اللوبي وانصارهم، ولم يتورع عن النهج العنصري. فهو لا يلم بأولويات الثقافة العربية والاسلامية ولا يعرف ان القرآن اشار الى الكذب سلباً حوالي 325 مرة. كما انه تقمص المعرفة ودس السم عمداً في مقولته عن صلح الحديبية، وكان الاجدر به مراجعة كتاب موسى الخامس من العهد القديم ليتذكر كيف يتعامل اليهود مع المدن التي تصالحهم.

من يتابع الذخائر الاسرائيلية الاعلامية الجديدة سيلاحظ ايضاً تصاعد نغمات، منها: ان قلوب العرب والفلسطينيين غير صافية للسلام الذي سيطرحه عليهم الرئيس بوش. أي حل اميركي الآن سيعتبره العرب مكافأة للارهاب الذي يؤيدونه ويمارسونه وسيشجعهم على المزيد. والقصد هنا هو استباق الحدث وتقييد أية حلول جديدة من واشنطن. بمعنى آخر، اذا فشلت الحملة الاسرائيلية في وقف الحل الرئاسي، او في تفضيل ضرب العراق على حل قضية فلسطين، فإنهم سيقيدون هذا الحل بشروط تدفع العرب الى جبهة الرفض مجدداً. ها نحن ننتظر الحل الرئاسي الموعود، ونراجع شروط شارون الاخيرة ونتائج زيارته لواشنطن، ولسان حالنا يقول: آه لو غرسنا اكثر واطول وافضل في الرأي العام الاميركي، لعرفنا على الاقل الآن نوع وموعد الحصاد.