شارون يبتلع الضفة وبوش لولاية ثانية بثمن فلسطيني

TT

حقق بوش لشارون كل رغباته وطلباته، اذا اعتبرنا ان ما قيل في المؤتمر الصحافي الذي عقده الاثنان في البيت الابيض، يعبر عما دار في اجتماعهما وما توصلا اليه من مواقف.

فحين اعتبر الرئيس بوش ان التغيير الوزاري الذي اجراه الرئيس ياسر عرفات لا يلبي طموح الفلسطينيين، وانه ليس نمط التعبير المطلوب، تطابق مع شارون في الاصرار على ان الاصلاح في السلطة شرط مسبق لعقد المؤتمر الدولي للسلام. ولذلك رفض تحديد جدول زمني او تحديد مواعيد لبدء واختتام المؤتمر ورفض تحديد مضمونه. وهذا بالضبط ما اراده شارون.

ومن الملفت للنظر ان الرئيس بوش لم يشر اطلاقا الى قيام الجيش الاسرائيلي باعادة احتلال رام الله كاملة، ومحاصرة مقر الرئيس ياسر عرفات مرة اخرى، سوى بالتعبير عن موافقته على حق اسرائيل في الدفاع عن النفس. واعتبر هذا ضوءا اخضر لاطالة امد احتلال رام الله ومحاصرة الرئيس ياسر عرفات. وهو ما نعيشه الآن في هذه اللحظات.

وبالرغم من قول شارون انه يريد السلام، وقد صفق لهذا بوش، الا ان ما يريده ويخطط له هو ابعد ما يكون عن السلام. انه يريد استسلام الفلسطينيين لمخططه الذي يستهدف ابقاءهم تحت قبضة الاحتلال الاسرائيلي، وان يحكموا اداريا 42% من اراضي الضفة والقطاع.

ويسعى شارون لتحقيق ذلك عبر تكتيكات تبدو لنا واضحة تماما، لكنها لا تبدو واضحة للرئيس جورج بوش.

لم يخف شارون اثناء مؤتمره الصحافي مع الرئيس بوش انه: ـ يشترط انهاء «الارهاب» (حسب تعبيره) كليا. قبل الشروع بأي مباحثات سياسية.

ـ انه يشترط ان تجرى اصلاحات حقيقية في السلطة الفلسطينية.

ـ انه يشترط ان يتم الاتفاق على هدنة مرحلية طويلة، يتم خلالها فحص جدية السلطة في العمل من اجل السلام.

ـ انه يرفض تجميد الاستيطان. وبطبيعة الحال اكد مرة اخرى، انه لا يرى في ياسر عرفات شريكا لاسرائيل في صنع السلام.

والحقيقة ان شارون استغل لأبعد الحدود، مستندا الى «اللوبي» القوي الذي يدعمه في الكونغرس ويمارس ضغطا مستمرا على الادارة الاميركية لصالح اسرائيل، ومستندا الى ما تولده العمليات التفجيرية داخل اسرائيل من ردود فعل سلبية على القضية الفلسطينية، ليراكم بسرعة توجها سلبيا في الولايات المتحدة تجاه السلطة الفلسطينية وتجاه ياسر عرفات.

ولقد زوده هذا باوراق قوية تمكنه من الضغط على الادارة للقبول بمخططه لتوقيع اتفاق انتقالي (قد يستمر عشر سنوات حسب طلبه)، وان يجري بعد ذلك بحث السلام.

شارون يريد الوقت ويعمل جاهدا ليكون الزمن في صالحه. الاستيطان ـ او زراعة المستعمرات، وجلب مهاجرين جدد ليستعمروا الضفة الغربية (بشكل اساسي) هو ما يحاول كسب الوقت من اجل تحقيقه.

ولا شك في ان رفض شارون لتجميد الاستيطان هو اخطر اشتراطاته، اذ ان بقية الشروط يمكن مجادلتها، ولن يمانع شارون في مناقشة الشروط الاخرى (واطالة المناقشة)، طالما ان الاستعمار الاستيطاني يسير قدما لأنه وحسب اعتقاد شارون، سيكون قد خلق امرا واقعا جديدا، خلال عشر سنوات قادمة، لا يمكن نفيه او اقتلاعه.

ولقد انفردت صحيفة «معاريف» اول امس بنشر معلومات حول خطة شارون هذه، وتفيد بأن اسلوب الاستيطان سيتغير جذريا. فقد كان المهاجرون اليهود يأتون لارض فلسطين كافراد وعائلات. وكانت هيئات الاستيعاب تقوم بتوزيعهم على المستعمرات والكيبوتسات والاماكن الاخرى، بناء على خططها للتوزع السكاني والاحتياجات الاقتصادية الاسرائيلية. اما هذه المرة فسيتم تهجير جاليات بأكملها (متكاملة) بقيادة حاخامها. وعلى سبيل المثال ستهجر الجاليات اليهودية من الارجنتين كجاليات متكاملة لتزرع في الضفة الغربية متكاملة كما كانت في الارجنتين مع قياداتها الدينية التي كانت تقودها هناك.

ويطمح شارون لتهجير مليون يهودي من اميركا اللاتينية على مدى السنوات العشر القادمة. ولذلك فهو يريد اتفاقا مؤقتا لمدة عشر سنوات، حسبما اعلن اكثر من مرة.

ولكن ما هو تكتيك شارون لتهيئة ذلك؟

يستمر شارون في الحديث هذه الايام عن وقف كامل للعنف وعن اصلاحات جذرية في السلطة، خاصة في ما يتصل بالاجهزة الامنية والمال الممنوح لها. وبالنسبة للاجهزة الامنية يرمي شارون الى اعادة فرض سيطرة الادارة المدنية الاسرائيلية على كافة المناطق والاشراف المباشر على رجال الامن الفلسطينيين (كما كان الحال منذ عام 1967 ولحين قيام السلطة الوطنية الفلسطينية).

وسيستمر في رفض الاصلاحات التي تقوم بها السلطة، وسيستمر في اختراق المدن والقرى والمخيمات بالدبابات الى ان يفرض صيغة تتيح لاسرائيل الاشراف على عمل اجهزة الامن الفلسطينية (حتى لو كان ذلك من خلال لجنة ثلاثية فلسطينية ـ اميركية ـ اسرائيلية).

وهذا يتضمن:

ـ حل كافة الاجهزة العسكرية للتنظيمات.

ـ جمع كافة الاسلحة وتسليمها لاسرائيل ـ وفي حال الامتناع ـ تسليمها للاميركيين.

ـ فرض نظام امني شديد يمنع اعادة ترميم البنية التحتية للمنظمات العسكرية التابعة للتنظيمات الفلسطينية.

ـ «تنخيل» وتفلية» المنتسبين لاجهزة الامن المختلفة بحيث لا يكون بينهم من ينتمي لأي تنظيم «متطرف»، او يمارس «الارهاب»، على حد قول احد مستشاري شارون الامنيين.

اما بالنسبة للمال، فيريد شارون ان تشكل هيئة من الدول المانحة لمراقبة طريقة صرف المال، وألا تحول اموال نقدية للسلطة، بل تربط الهيئة صرف الاموال بمشاريع اقتصادية، وان تقوم هي (اي الهيئة) بالاشراف على التنفيذ ـ وبذهن شارون هنا حصار السلطة (نقديا) ـ وان تكون للشركات الاسرائيلية حصة الاسد في تنفيذ المشاريع الاقتصادية التي تقرر الدول المانحة تمويلها.

كل هذا يخطط له شارون في ظل رفض قاطع لتطبيق ورقة تينت وتوصيات لجنة ميتشيل من اجل ابقاء الحصار الخانق مفروضا على الشعب الفلسطيني بأكمله وعلى مدنه وقراه ومخيماته. وكذلك في ظل ابقاء الحواجز العسكرية التي تقطع اوصال الوطن واوصال شعبه.

وبالطبع ستبقى المدارس والجامعات مغلقة وكذلك المصانع والمؤسسات الخاصة، لأن الطلبة والموظفين لا يتمكنون من الوصول الى اماكن دراستهم او عملهم.

لقد بلغ عدد الفلسطينيين الذين يعيشون تحت خط الفقر عددا مرعبا وصل الى اكثر من 68%. وهذا يعني ان مليوني فلسطيني يعانون من هذا الوضع، ناهيك من ان الثلث الباقي لا يعيش الا على حافة ذلك الخط بسبب افلاس الشركات والمؤسسات وعدم قدرة السلطة على تسديد الاموال المستحقة لهذه المؤسسات والشركات.

ولا شك في ان الكثيرين يعلمون ان البنوك التجارية ترضى بشيكات من وزارة المالية ترواح مكانها دون دفع، لانه لا توجد ارصدة لتغطيتها، فاسرائيل تصادر اموال الشعب الفلسطيني، وتقوم منذ اشهر بعرقلة تحويل المساعدات الدولية للشعب الفلسطيني.

الرئيس بوش قال في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الرئيس حسني مبارك في منتجع كمب ديفيد: «ما زال مبكرا جدا تحديد موعد زمني وجدولة زمنية لعملية السلام في الشرق الاوسط».

ماذا ينتظر الرئيس جورج بوش؟ ألا يكفي الفلسطينيين مائة عام من المعاناة وخمسة وثلاثون عاما من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة؟

متى يستطيع الرئيس جورج دبليو بوش ان يستوعب ما يجري من جرائم في الارض المقدسة؟

الشعب الفلسطيني يريد السلام وسعى ويسعى له. والمبادرة للتفاوض حول السلام انطلقت من الفلسطينيين ووالد الرئيس الحالي، جورج بوش الاب، يعلم ذلك تمام العلم.

لكن ما يتجه اليه الرئيس جورج دبليو بوش، سواء لاسباب داخلية او اسباب تتعلق بموقف اليهود الاميركيين من انتخابه لفترة اخرى للبيت الابيض، هو شيء خطير سوف يرتد سلبا على استقرار الشرق الاوسط، وهذا يعني انه سيرتد سلبا على الولايات المتحدة.

ان تقديم الشعب الفلسطيني كبشا على مذبح اعادة انتخاب الرئيس جورج دبليو بوش، سيجلب للامة الاميركية الضرر الكبير. مطلوب من الرئيس بوش ان يفكر اولا وقبل كل شيء، بمصلحة الامة الاميركية، والتي تقتضي ان تنتصر الولايات المتحدة للحق ولقرارات الشرعية الدولية، وان ينتهي الاحتلال الاسرائيلي، وان تقوم دولة فلسطينية مستقلة على الارض التي احتلت عام 1967، وان يُضمن امن اسرائيل اقليميا.