توازن القوى يبقي الطريق مغلقا مع أفضل الأعداء

TT

اختبار قصير: أي بلد إسلامي من الشرق الأوسط بادر بشكل مباشر بإجراء لقاءات حداد، بالشموع، تعبيرا عن التعاطف مع الأميركيين بعد أحداث 11سبتمبر؟ الكويت؟ لا. السعودية؟ لا. إيران؟ نعم، أجبت على السؤال، ربحت بطاقة سفر الى إيران. وإذا ذهبت إلى هناك، فستكتشف أنه ليس، فقط، البلد الإسلامي الوحيد، الذي يتعاطف الكثير من أبنائه مع الولايات المتحدة، بعد أحداث 11 سبتمبر، بل هو البلد الذي يتحدث أبناؤه في الشوارع، عن عودة العلاقات مع أميركا، آملين في تحققها قريبا، مما دفع التيار المتشدد في الحكم، إلى اتخاذ قرار، قبل اسبوعين، لم يسبق له مثيل من قبل، يقضي باعتبار الحديث في هذا الموضوع، بشكل علني، نشاطا لا شرعيا.

مع ذلك، وعلى الرغم من المنع الرسمي، ما زالت مسألة عودة العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، تحتل الموقع الأول ضمن القضايا السياسية الحالية، وما زالت موضع نقاش مفتوح في البرلمان والصحافة الإصلاحية. ولم تنته أي محادثة بين إيراني وزائر أميركي دون طرح المضيف هذا السؤال بصياغات مختلفة: «متى، باعتقادكم، ستعود العلاقات بيننا؟».

ما الذي يغذي هذا السؤال بالوقود؟ في البدء، يجب القول إن هناك قناعة عامة، (ولعلها غير واقعية) بأن كل المشاكل العامة التي تمس حياة المواطن الإيراني العادي، من بطالة واسعة وشعور بالعزلة عن العالم الى غياب الاستثمارات الأجنبية، واشكالات الوضع السياسي الحالي، سيمكن حلها مباشرة، حالما تعود العلاقات الأميركية ـ الإيرانية الى وضعها السابق، قبل سقوط الشاه، ورفع الولايات المتحدة لحظرها الاقتصادي المضروب على إيران.

من جانب آخر، يظل السؤال مطروحا عن مدى تأثير اعتبار بوش لإيران ضمن محور الشر (مع العراق وكوريا الشمالية) على مجرى هذا النقاش في الشارع الإيراني. في البدء، شعر التيار الإصلاحي داخل البرلمان والوسط الإعلامي، بالحرج من تصريح بوش، إذ استخدمها المتشددون كبرهان على أن الولايات المتحدة لن تكون لها أواصر مع أي جمهورية إسلامية، لكن الإصلاحيين استطاعوا أن يسترجعوا المبادرة بمواجهة المتشددين قائلين لهم، وهم يشيرون إلى «محور الشر»: «انظروا الى أين أوصلتنا سياستكم».

إضافة الى ذلك، جاء تخفيض عدد منح تأشيرات الدخول للولايات المتحدة، بعد أحداث 11سبتمبر، ليعمق الشعور بالاحباط بين الطلاب الإيرانيين الراغبين في الدراسة هناك، ثم تبعتها صدمة انضمام روسيا، التي كانت تعتبر داعما قديما لإيران، للحلف الأطلسي قبل أسبوعين، لذلك يمكنكم أن تدركوا لماذا يرغب الكثير من الإيرانيين الآن بإعادة العلاقات مع واشنطن.

الشيء المثير للاستغراب، هو كيف يعكس النقاش الدائر في واشنطن، ما يدور بين الإيرانيين من نقاشات، حول العلاقات بين البلدين. ففي واشنطن هناك ثلاث مدارس: دعاة التقارب، وهؤلاء يحاججون من منطلق نجاح الولايات المتحدة في إطلاق هذا النقاش داخل إيران، وبالتالي يصبح من اللازم أن نعمقه أكثر فأكثر من خلال إعادة العلاقات مع إيران. ودعاة الحظر والمقاطعة، الذين يعتبرون النظام المستند الى رجال الدين في إيران، ثمرة ناضجة للسقوط، والمطلوب فقط استمرار الولايات المتحدة في عزله. أما دعاة التغيير عبر القوة، فهم يؤمنون بتغيير النظام في إيران بنفس الطريقة التي يريدون تغيير النظام العراقي، اي عبر الحرب.

في إيران هناك أيضا دعاة التقارب، الذين يعتبرون إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، مسألة أساسية بالنسبة لتحديث إيران: ثم الانعزاليون الذين لا يثقون بأميركا، ويعتقدون أن من الأفضل لإيران أن تكون بدون عودة العلاقات. أما الاستفزازيون، فهم اولئك المحافظون الذين يؤمنون بأن أي صدام مع الولايات المتحدة سيقوي من مواقعهم.

يصر الدبلوماسيين في إيران، أنه حتى الزعيم الروحي المتشدد، آية الله خامنئي، أصبح لا يعارض عودة العلاقات مع الولايات المتحدة، فهو يتلمس، بدون شك، مزاج الشارع الإيراني الحالي، ويعرف كم تحتاج إيران الى الاستثمار الأميركي والتجارة مع الولايات المتحدة. لكنه يريد أن يجد طريقة تساعد على تحقيق هذا الهدف، بحيث يكسب هو، لا الإصلاحيون، الفائدة السياسية والتحكم بنتائج عودة العلاقات، بحيث لا تعطي دعما لخصومه السياسيين.

حتى الان، ما زالت كل قوة ممثلة لهذه التيارات الثلاثة، وفي كلا البلدين، غير قادرة الا على منع القوى الأخرى من التحرك بشكل حاسم بحيث تتحرك العلاقات بين البلدين نحو الأحسن أو الأسوأ.

وهذا أمر سيئ، لأن الأغلبية في البلدين راغبة في تحقيق التقارب، ففي السنة الماضية، قرر المتشددون الايرانيون تجديد السفارة الأميركية في طهران، بعد أن تركت على حالها منذ سيطرة الطلبة عليها، سنة 1997، وكان هدف التجديد تحويل المبنى الى متحف للثورة الإيرانية. لكن المتحف الذي فتح يوم 4 نوفمبر الماضي لم يلق أي اهتمام شعبي، وهذا ما دفع المسؤولين الى إغلاقه ثانية. فمعظم الإيرانيين لا يريدون أن تصبح السفارة الأميركية متحفا، بل يريدونها سفارة للولايات المتحدة.

باختصار، لا اعرف ماذا ستكون النتيجة النهائية، لكنني أعرف شيئا واحدا: إذا أعلن وزير الخارجية الأميركي، كولن باول، غدا، إنه مستعد للسفر إلى طهران، وطرح كل شيء على طاولة المفاوضات ـ إنهاء قوانين المقاطعة، برنامج إيران النووي، دعمها لـ«الإرهابيين» الفلسطينيين، العلاقات الدبلوماسية ـ فانه سيوقد في إيران نارا هائلة من الحماسة.

* كاتب وصحافي اميركي ـ خدمة «نيويورك تايمز»