البدء في إقامة «سور الفصل» يلغي فكرة التعايش

TT

عندما وصل رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الى واشنطن التقى مساء الاحد بعض المسؤولين الاميركيين شملوا كبارا في وزارة الدفاع. بين المواضيع التي طرحها شارون مسألة اقامة سور عازل يفصل بين اسرائيل والفلسطينيين. ومما قاله انه يتكلم عن سور حول الضفة الغربية كالسور القائم مع غزة ـ فهناك سور من الاسلاك الشائكة ومنطقة عازلة امامه ـ ويشبه كذلك ما كان قائما في منطقة الجنوب اللبناني ـ الحزام الامني، حيث كانت قبل السور مباشرة منطقة عبور يخضع العابرون فيها في اماكن محددة للمراقبة، ثم عند الوصول الى السور تواجههم كل الاجراءات الامنية بسبب وجوده، وبعده منطقة قبل سور آخر، مليئة بالالغام المكهربة، ومتفجرات صغيرة.. وحسب مصدر اميركي مقرب من وزارة الدفاع فان ما يحاول الاسرائيليون عمله الآن هو التصعيب على الفلسطينيين قيادة السيارات والعبور من الضفة الغربية الى اسرائيل، وقد تتخلل السور الجديد ثلاث مناطق عبور شبيهة بمعبر ارتز لعبور المشاة، وربما الشاحنات التي تنقل مواد تجارية، ويستطيع الاسرائـيليون اغلاقها عندما يشاؤون. وسيكلف كل كيلومتر من السور حوالي المليون دولار ويبلغ طوله اكثر من 300 كيلومتر وقد تحتاج اقامته لاكثر من سنتين.

وتدرس وزارة الدفاع الاسرائيلية مسألة اقامة السور العازل منذ فترة، ووجهة النظر الاساسية ان على اسرائيل القيام بشيء ما للحد من الهجمات الانتحارية، ويعرف المسؤولون العسكريون الاسرائيليون بان الفكرة ليست بالجيدة كما انها ليست الدواء المطلوب لجميع الامراض. وقد بدأت وزارة الدفاع الاسرائيلية باقامة السور حول جنين، وتنتظر الانتهاء من تلك المرحلة لتعرف كيف سيكون التأثير النفسي والفعلي على الاوضاع، وبرأي المسؤولين فيها، فكأن الانتحاري الذي سيخرج من جنين قد يواجه مشاكل اكثر قبل وصوله وعبوره الى داخل اسرائيل، ولا يعتقد الكثير من الخبراء الغربيين بأن اقامة السور ستعدل في الوضع، «فإقامة السور لن تقلل من عزيمة الانتحاريين الفلسطينيين التي تبقى قوية»، انما ستكون بداية لسياسة مختلفة قررت اسرائيل اختبارها. ويقول المصدر الاميركي المقرب من وزارة الدفاع الاميركية، ان شارون لم يتكلم علنا كثيرا عن اقامة السور، لكن في اسرائيل لم يعد الامر سرا، فقد صدرت عدة كتب حول اهمية اقامة السور حيث اختصرت المسألة بمفهوم: الفصل.

ويضيف، ان الاسرائيليين يتحدثون عن السور كأمر واقع ويتساءلون ما اذا كان سيمتد على الخط الاخضر او انه سيكون حدودا سياسية او حدودا امنية. ويوضح ان السور لا يمكنه ان يكون الحدود الجغرافية، لان بعض مناطق الحدود التي يعبرها خط حدود 1967 (الخط الاخضر) هي في الواقع وديان، ولا يمكن اقامة السور في الوادي بل على المرتفعات والتلال. ومن الاسئلة المطروحة: ما العمل اذا كان السور سيمر بين القرى العربية، فهل تقسم القرية الى اثنتين؟ ثم ما العمل بالنسبة الى المستوطنات الواقعة خارج الخط الاخضر، فهل يبقى السور داخل الخط او يُعدّل بحيث يطوق المستوطنات؟ ويقول: هناك الكثير من الاسئلة، وشارون حمل معه الى واشنطن خرائط متعلقة بالامر، انما الاهم من كل ذلك هو الفكرة، فاذا كانت الفكرة السائدة سابقا ان الاسرائيليين والفلسطينيين سيتعايشون، فالوضع اختلف وسيعيشون منفصلين، اي لن يكون هناك تعايش، ومع تقدم الوضع لا بد من التفكير بمفهوم السور، فاذا بنوا السور الآن، ماذا سيحدث لاحقا بالمستوطنات المقامة داخل الضفة الغربية؟ وهل سيستمر الجيش الاسرائيلي في الدخول الى المدن الفلسطينية؟ أو ربما كما في ارتز ستُبقي اسرائيل على ثكنات عسكرية وراء السور على الجانب الفلسطيني.

ويعتقد المصدر الاميركي ان الجيش الاسرائيلي لا يفكر بمغادرة المناطق الفلسطينية، لان السور لن يكون لانهاء الاحتلال، فشارون لن ينسحب تحت الضغوط، فهو لم ير الانسحاب بحد ذاته من لبنان مضرا لاسرائيل، بل الانسحاب في ظل النيران، ولن يكرر الامر ثانية.

اسرائيل ابلغت المسؤولين الاميركيين عن السور، وحتى الآن، حسب المصدر، لم تقل الادارة الاميركية ما اذا كانت تلك الفكرة سيئة او جيدة، بل تنتظر معرفة المزيد.

وكان وزير الدفاع الاسرائيلي بنيامين بن اليعازر انضم الى تفكير شارون باقامة السور الفاصل والابقاء على كل المستوطنات بما فيها تلك الصغيرة والمعزولة، وهو مشغول الآن باستدعاء المقاولين وعرض السور عليهم، ويقال ان هذا السور لن يكون حدودا بل الحدود. وقدمت وزارة الدفاع الاسرائيلية الخرائط التي تظهر امتداد السور، الى رؤساء بلديات المدن منذ اكثر من اربعة اسابيع، واكد الجنرال اوزي دايان ان السور سيقام على طول الخط الاخضر تقريبا، انما هناك عقبة تتعلق بمرور السور وسط القرية العربية برطعة، الواقعة بين الخضيرة ووادي الحوارث، فنصف القرية يقع في الجانب الاسرائيلي من الخط الاخضر ونصفها الآخر يقع في الجانب الفلسطيني، واتخذ القرار بالبدء في اقامة السور وعند وصوله الى برطعة سيتم اتخاذ القرار «المناسب».

ويعتقد المحللون الاسرائيليون بان السور سيخفف من العمليات الانتحارية بنسبة 60% كما انه سيخفف من حدتها، وبسبب الوسائل الالكترونية التي ستُركب عليه ستزداد قدرة اسرائيل على اكتشاف المتسللين قبل الوصول الى اهدافهم! وستشمل المرحلة الجديدة من السور المنطقة الممتدة من مجيدو حتى كفر قاسم وستلتقي بالاسوار المقامة اصلا بالقرب من بيت حفر وقلقيلية. ويُذكر ان اول اقتراح لاقامة سور يفصل اسرائيل عن الفلسطينيين وضعه وزير الداخلية موشيه شاحال عام 1994 في زمن رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين! وحسب احصاءين اجريا مؤخرا فان اغلبية الاسرائيليين تؤيد اقامة السور، وايدت نسبة 69% الانفصال واخلاء المستوطنات، فيما وافقت نسبة 79% على بناء السور من دون شروط مسبقة.

وفيما يدفع سكان المستوطنات، على الخط الاخضر، الى اقامة مناطق فاصلة بينهم وبين الفلسطينيين، الا انهم لا يعتبرون السور يقيهم من العمليات الانتحارية بل يتخوفون من تأثيراته السلبية، ويطالبون بان ترافقه اجراءات من نوع القصف المحدد والاغتيالات المستهدفة! ووعْد بان تقتحم القوات الاسرائيلية، عند الضرورة، المناطق (أ) التابعة للسلطة الفلسطينية! ويعتقد المصدر الاميركي ان الفلسطينيين لن يكونوا سعداء بهذه الخطة، لكن شارون يحمل الى جانب الخرائط مفهوما آخر، وهو ان اقامة السور، وعلى المدى البعيد، ستنعكس ايجابا على الفلسطينيين، لانه اذا توقفت العمليات ضد اسرائيل فلن ترد عسكريا، ثم انه لا مجال لتوسيع المستوطنات الآن، فقد نجح الفلسطينيون في زرع الرعب بحيث لم يعد احد راغبا في الاقامة في المستوطنات، وبالتالي من مصلحة الجميع تهدئة الامور، ويعد شارون الاميركيين بانه انطلاقا من ادراك اسرائيل للمعاناة الاقتصادية للشعب الفلسطيني! فانه، بعد هدوء الامور، سيسمح للعمال الفلسطينيين بالعودة والعمل في اسرائيل! اضافة الى ذلك، رغب شارون في معرفة ما اقترحه الرئيس المصري حسني مبارك بالتفصيل، وكان رده على اقتراح مبارك باقامة دولة فلسطينية على ان تحدد الادارة الاميركية موعدا زمنيا لها، ان في الامر مشكلة، فاذا قيل ان الدولة ستقوم عام 2004 مثلا، فان حركة حماس ستعتبر بانها انتصرت وجاءت بالدولة المستقلة وان رئيس السلطة، ياسر عرفات، لم يستطع تحقيق ذلك من خلال المفاوضات، وسيعتبر ذلك «انتصارا للارهاب ولا يمكن فهم ذلك بطريقة اخرى». ويقول مصدر في الادارة الاميركية: «اذا ظهرت الادارة وكأنها تفرض على شارون تحديد وقت لاقامة الدولة الفلسطينية، في ظل العمليات الانتحارية، فان الادارة ستُضطر هي الاخرى لتقديم تنازلات في مواجهة الارهاب، وهذه رسالة تناقض مبادئنا».

لكن ماذا بالنسبة لخطط شارون المتعلقة بعرفات؟ يقول المصدر الاميركي: ان الخطوط الحمراء واضحة جدا، ويدرك شارون حدوده، ثم ان قتل عرفات او نفيه سينعكس سلبا على اسرائيل، والادارة لا تريده ان يكون عرفات اللاجئ، رقم واحد، او الشهيد او الضحية، ويضيف ان هذا ما تم شرحه لشارون، ثم ان الحكومة الاميركية تدعم ما يقوم به رئيس الوزراء الاسرائيلي، والرئيس جورج دبليو بوش لم ينتقد شارون لما قام به خلال الاشهر الستة الماضية، في حين انه ينتقد باستمرار عرفات، واعتقد ان التوجه الآن هو لتجاهل عرفات ومن ثم تهميشه والتركيز على قضية الاصلاح ومحاولة اخراج عرفات من المعادلة، وهذا ما يحاول الرئيس بوش عمله، وهذه هي الاستراتيجية، لانه لا يمكن التخلص منه والافضل تهميشه.

ويقول المصدر الاميركي، ان الخارجية الاميركية ناقشت مع اسرائيل مسألة الانسحاب الى حدود 1967 مقابل تنازل الفلسطينيين عن حق العودة. وهذه المعادلة مقبولة، انما ليس الآن. ويضيف، هناك الكثير من الخطط والمشاريع التي تُناقش، ومن بينها اقامة السور، والمطلوب معرفة اهدافه وما اذا كان مجديا او فقط لاشعار الاسرائيليين بالراحة! ويقول: قد يفيدهم نفسيا، لكن اذا لم يحقق اهدافه فسيكون الوقع اسوأ عليهم. ولا يعتقد الاميركيون بجدوى او فعالية هذا السور، لان اسرائيل في حاجة الى دول مجاورة صديقة، تقوم بواجباتها على حدودها، ويشير الى ما قاله شارون للمسؤولين الاميركيين مساء الاحد، عن عدد القتلى الاسرائيليين من العمليات الانتحارية، ورأى (شارون) ان 450 قتيلا اسرائيليا هم بنسبة 30 الف اميركي قتيل، وقال: ان هناك 4 آلاف اسرائيلي جريح بما يعادل 250 الف اميركي جريح.

ولكن السور الفاصل سيكون شبيها بجدار برلين السابق، وهذا لن يقبله العالم؟ ويقول المصدر الاميركي: ان الامر مختلف عندما يكون على جانبي السور شعبان حران.

لكن الفلسطينيين ليسوا احرارا وهناك حرب بين الشعبين؟ ويقول محدثي: «اذا حكم الفلسطينيون انفسهم يمكننا القول: ان الوضع ظالم فلنتخلص من الجدار. وجدار برلين لم يسقط الا عندما تحررت الشعوب بعد تغيير الحكومات، وبقيت للشعوب دولها. لقد كانت روسيا تسيطر على جيرانها، وعندما سقط الجدار بقيت روسيا، وما تغير لم يكن حدود روسيا انما حكومة روسيا، ويضيف: «الحكومة هي المشكلة وليست الحدود، فالحدود تفصل الدول وكل دولة تحكم نفسها».

ان بن اليعازر يسمي خطته للفصل الامني، «الفصل من اجل السلام». وهو كان ابلغ يوسي بيلين بانه يؤيد مشروع كلينتون بحيث تنسحب اسرائيل من كل الاراضي الفلسطينية وتجمع المستوطنين في المناطق الفلسطينية، في مجمع من المستوطنات مقابل التنازل عن اراض فيها كثافة سكانية عربية داخل اسرائيل تنقل الى الفلسطينيين عند اقامة الدولة الفلسطينية، ووافق مع بيلين بانه «لن تكون هناك سيادة اسرائيلية فوق جبل المعبد (الحرم الشريف)، انما بانتظار الجلوس مع الفلسطينيين على طاولة المفاوضات فلا بد من اقامة السور».

قد تعني اقامة السور احياء للخط الاخضر انما لا تعني تماما ازالة المستوطنات، وكلام المصدر الاميركي لافت، بان السور يمكن ان يتحول الى حدود اذا ما تغيرت.. الحكومات، وقد يشمل هذا التغيير رأسي السلطتين في اسرائيل والسلطة الفلسطينية.