وجوه متعددة لهجوم إرهابي نووي محتمل

TT

لم يعد السؤال ما اذا كانت احدى المدن الاميركية ستواجه حالة طوارئ نووية ام لا، بل متى ستواجه هذا الخطر؟ لقد جاء الاعلان يوم الاثنين الماضي، عن اعتقال احد نشطاء تنظيم القاعدة، يوم الثامن من مايو (ايار) الماضي في شيكاغو، بمثابة تحذير بان ازمة محلية نووية تقترب منا بسرعة، وذلك كون المعتقل متهما بالتخطيط لتصنيع قنبلة نووية قذرة. ومع ذلك لا يبدو واضحاً، حتى الان، نوع الخطر الارهابي النووي الذي علينا التحوط ضده.

بالاضافة الى تصورات افلام هوليوود، التي تفضل قصة استيلاء عسكر متمردين على قنبلة نووية، هناك ثلاثة انواع اخرى للارهاب النووي، مثلاً سرقة مواد نووية بهدف تركيب قنبلة، وهناك خطر يتمثل في تخريب، او الهجوم على محطة نووية مدنية او على مخازن نفاياتها المستعملة، والخطر الاخير هو خلط مواد نووية مشعة مع متفجرات تقليدية لنشر الاشعاع، او ما يعرف الان بـ «القنبلة القذرة» النووية.

كل هذه الاخطار النووية حقيقية وتستحق الاهتمام العالي والفوري من حكومة الولايات المتحدة الاميركية ومن المجتمع الدولي، كما انها تتطلب انفاقا مكلفا على كل ما يمكنه منع، والحد من الخطر او كيفية التعامل معه.

تختلف الاخطار عموماً وتتمايز عن بعضها البعض، لجهة احتمالات حدوثها وآثارها على البشر، وتكلفتها المالية ودرجة السهولة في الحد من وقوعها. الخطر الاكثر احتمالاً، الان، يأتي من امكانية استعمال متفجرات تقليدية لنشر الاشعاعات النووية.

هناك ملايين الاطنان من المواد المشعة منتشرة عبر العالم، والكثير منها على شكل طاقة نووية. كذلك تتوفر بكثرة مصادر للمواد عالية الاشعاع في معدات العلاج والتشخيص الطبي، ومعدات تعقيم الاغذية، ولاستعمالات زراعية وصناعية. ففي الولايات المتحدة، فقط، يقدر عدد المعدات التي تستخدم مواد مشعة بعدة ملايين، ولا توجد احصائيات دقيقة او اجراءات لمراقبة تلك المعدات ومصيرها، كما ان نسبة كبيرة منها لم تعد مستعملة الان، وتم ركنها جانباً او فقدت. مثل هذه المعدات توفرت في السوق السوداء بين الحين والاخر ومن دول عدة، والمعروف ان ثوار الشيشان حصلوا على بعضها في روسيا.

الخطر الحقيقي الاخر بالطبع هو احتمال التخريب النووي. من غير المعروف بدرجة واسعة في الغرب، ان محطات نووية في دول الاتحاد السوفياتي السابق، شهدت في اواسط التسعينات اربع هجمات ارهابية، ثلاث منها ضد محطة انتاج الطاقة «انجلينا» في ليتوانيا، والرابعة لها علاقة بمحطة «كورسك» الروسية للطاقة. هناك اسباب عديدة للظن ان المحطات النووية الاميركية هي الاخرى معرضة لهجوم مسلح، او لهجوم كومبيوتري يخرب برامج الحماية، او بالطبع، لتخريب من موظفين في المحطة.

اينما استطاع افراد او مجموعات الحصول على كمية كافية من اليورانيوم المشبع، سيكون بوسعهم تصنيع قنبلة نووية بدائية ولكنها فعالة. التغيير الذي وقع بعد هجمات 11 سبتمبر لا يتمثل في سهولة تصنيع قنابل نووية، فهذا غير صحيح، بل في ما اصبح علينا توقعه من وجود منظمات تبحث عن مواد ونفايات بهدف احداث تفجير نووي في مدننا. العقبة الاهم في طريقهم هي الحصول على يورانيوم مشبع.

اخيراً، ورغم صغر حجم هذا الخطر النووي الارهابي عن غيره، فعلينا عدم التهاون في حراسة القنابل النووية من السرقة. الخطر هنا يأتي من وجود الاف القنابل النووية التكتيكية الصغيرة غير المحصورة في معاهدات الحد من الاسلحة.

تتعاظم الحاجة اليوم لتحديد كامل لخطر تهديد الارهاب النووي واماكن تأثيره، وتسخير كل المصادر المحدودة للتعامل مع الضرر. ستمر سنوات قبل النجاح في تأمين وحماية المصادر الروسية لليورانيوم المشبع من السرقة، وقد لا ننجح ابداً في مراقبة مصادر كل المواد المشعة التي قد تجد طريقها الى قنبلة قذرة. لكن يجب ان يكون ممكناً النجاح خلال بضعة شهور في تشديد الامن على المحطات النووية الاميركية، وتجهيز الجمهور نفسياً للخطر الممكن التحكم فيه من قنبلة اشعاعية. هذا ما يجب ان تكون عليه اولوياتنا اثناء الاعداد لخطة موسعة للمقارنة والتقدير والمكافحة للاخطار المحتملة الناتجة عن الوجوه المتعددة للارهاب النووي.

* بوتر مدير مركز معهد الرقابة لدراسات الحد من التسلح، وسبيكتر يدير مكتب المركز في العاصمة واشنطن. خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ (خاص بـ «الشرق الاوسط»)