رجل «اللويا جيرغا»

TT

منذ 25 عاما لم يُعقد «اللويا جيرغا»، وعندما التقى ممثلو القبائل الافغانية تناقشوا واختلفوا وظلوا في الخيمة المكيفة، وهذا امر صحي فالمهم عدم اللجوء الى السلاح وكل ما عدا ذلك مقبول، لا بل مطلوب. ولوحظ ان المشاركة في المناقشات كانت حامية وحادة بعد ان ظل زعماء القبائل صامتين في ظل حكم الطالبان.

الملك ظاهر شاه، حتى لو عاوده الحنين الى السلطة وهمومها، كان حكيما في تنازله عن تلك الطموحات في هذه المرحلة المتقدمة من العمر، وليس مستغربا ان لا تطال حكمته صهره الذي اعتبر ان اختيار حامد كرزاي رئيسا هو انتقاص لحق الافغان الذين «يريدون» الملك ظاهر شاه وبشكل غير مباشر «صهره».

ورغم التشنجات «القبلية» التي لن تخمد بسرعة، يبقى كرزاي الرجل المناسب في هذه المرحلة، كما كان مناسبا في الاشهر الصعبة السابقة. وما يميز كرزاي اعتداله وايمانه بالتوافق العام وهدوؤه، ثم انه يعرف جيدا كيف يتصرف خلال التجمعات الافغانية، خصوصا في تجمع مثل «اللويا جيرغا»، عندما يحتاج المسؤول ان يلتقي مع مختلف الاثنيات وزعماء القبائل.

ربما يُحسب على كرزاي عدم قدرته حتى الآن على الحسم وفشله في ايصال سلطته الى خارج كابول، مما اظهر عدم معرفته في التعاطي مع زعماء الحرب.

ان عدم رغبة كرزاي في القضاء على زعماء الحرب اظهر ضعف قدرته على الحسم، لذلك اذا اعيد انتخابه فان عليه اتخاذ القرارات وبشكل حاسم.

لقد اصبح كرزاي زعيما في شهر كانون الاول (ديسمبر) الماضي صدفة، اذ كان الوحيد داخل افغانستان الذي يقاتل الطالبان من الباشتون وكان من الضروري الاتيان بزعيم باشتوني، ومن المؤكد انه في الاشهر الستة الماضية صار اكثر ثقة بنفسه، كما انه احب دوره على المسرح الدولي، ثم انه يتمتع بشعبية عند الافغان العاديين.

ولخمسة اشهر كان كرزاي يعمل اكثر من ست عشرة ساعة في اليوم، يعمل وينام في مكتبه، والشهر الماضي فقط انضمت اليه زوجته الطبيبة التي كانت تعيش في كويتا ـ باكستان.

ويدرك المجتمعون في اللويا جيرغا، ان المئات من الافغان كانوا يقصدون كرزاي الى مكتبه لرؤيته في اي وقت يختارون، ولم يكن يرفض، وربما هذا بسبب عدم قدرته على الحسم. اما الذين يعرفون كرزاي فيتحدثون ـ مثلا ـ عن مكتبه غير المنظم، رغم ان لديه عددا من المساعدين الجيدين، الا انهم كلهم لا يعرفون تنظيم وقت «رئيس الدولة»، فهو وهم يعالجون عدة مواضيع دفعة واحدة، ولا يعرفون تخطيط برنامج لمواعيده واتصالاته وهو لا يعترض، لانه لا يعرف ما ينتظره.

ولهذا فوجئ كرزاي بردة فعل المجتمعين من ممثلي القبائل في «اللويا جيرغا» الذين انتقدوه لعلاقته بالولايات المتحدة، لكنهم طرحوا انفسهم بديلا عنه، وكأن رئاستهم لن تتعرض للتعامل مع الولايات المتحدة او ان ما هو غير مسموح لكرزاي يصبح طبيعيا اذا هم تسلموا مكانه.

ان افغانستان دولة مستقلة والافغان شعب حر، لكنها قبل عمليات ايلول (سبتمبر) لم تكن مستقلة وكان شعبها مسحوقا، وهي الآن في حاجة ماسة الى اعادة البناء، والحرب ضد الارهاب طويلة، والمطلوب اعطاء فرصة حقيقية لكرزاي كي يقنع المجموعة الدولية بضرورة اعادة بناء بلاده.