العرب.. ومؤتمرات مكافحة الإرهاب

TT

تتعدد المؤتمرات التي تعقد هذه الأيام لمقاومة الارهاب، فقد عقد هذا الأسبوع في فيينا المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب بالتعاون مع حلف شمال الاطلنطي، وشارك فيه عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية وممثلون عن أربعين دولة ومنظمة وهيئة دولية وذلك بهدف توسيع التحالف الدولي ضد الارهاب. كما عقد في لشبونة المؤتمر الأول لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لبحث سبل التعاون في مجال مكافحة الارهاب، وقد شارك فيه جورج روبرتسون الأمين العام لحلف الاطلنطي وعدد من ممثلي منظمات دولية مهمتها مكافحة الارهاب. وناقش وزراء خارجية مجموعة دول الثماني في اجتماعهم بمدينة «ويستلر» الكندية قضية مكافحة الارهاب وذلك استعدادا لمؤتمر قمة هذه الدول الذي سيعقد في كندا يومي 26 و27 من شهر يونيو (حزيران) وقد أعلن وزير الخارجية الاسبانية «جوزيه بيكيه» الذي ترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حاليا عن عقد اجتماع للمجموعة الرباعية التي تضم اميركا وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة على هامش هذا المؤتمر للاعداد للمؤتمر الدولي المنتظر حول الشرق الأوسط.

تعقد هذه المؤتمرات جميعا للمرة الأولى عقب أحداث 11سبتمبر (ايلول)2001، حيث أصبحت مقاومة الارهاب مادة أولى في جدول اعمالها، ولكن هناك مؤتمرا عربيا سبق جميع هذه المؤتمرات في مقاومة الارهاب، وقد عقد دورته الخامسة هذا الاسبوع في تونس وهو مؤتمر وزراء الداخلية العرب الذي يعقدون اجتماعا سنويا للبحث في أفضل سبل التعاون والتنسيق لمكافحة الارهاب، وهناك أيضا دعوة عربية طالما أطلقها الرئيس محمد حسني مبارك لعقد مؤتمر دولي لمقاومة الارهاب قبل أحداث 11سبتمبر.

الارهاب اذن كان قضية مؤرقة للعرب قبل اميركا، فقد طالت معاناتهم منه وسقط ضحية له عشرات الألوف من القتلى، كما ان حرب العرب ضد الارهاب قد سبقت حرب اميركا، ولذا يجب التصدي بقوة لكل المحاولات التي تسعى الى الربط بين الارهاب من جهة وبين الاسلام أو العرب من جهة أخرى، لأن الارهابيين يعبرون عن فئة متطرفة تلبس عباءة الدين زيفا وتستخدمه كوسيلة تمويه لتحقيق أهدافها السياسية، واذا أتاحت لهم الظروف فرصة الوصول الى السلطة استخدموا أبشع وسائل القهر والتخلف للسيطرة على الجماهير. وظاهرة طالبان في أفغانستان كانت معبرة تماما عن معاناة الشعب خاصة النساء، وهو ما يؤكد ان أول من يلحق بهم الضرر من قوى التخلف والارهاب هم المسلمون، وهو ما يسقط الدعاوى والأساليب التي ظهرت بعد 11سبتمبر والتي اختلطت فيها المفاهيم الى حد التعقيد الذي يحتاج الى توضيح ومواجهة صريحة تظهر ان هؤلاء الارهابيين لا يمتون بصلة الى الاسلام أو العروبة، بل انهم يشكلون خطرا فعليا على العرب لأنهم ينفذون مخططات تسلب من المجتمعات العربية قواعد الأمن والاستقرار التي تحتاج اليها للتنمية والتقدم والديمقراطية.

ولا شك أن المؤتمرات العربية التي عقدها وزراء الداخلية العرب قد أثمرت انحسارا في اندفاع موجات القوى الارهابية سواء في مصر بعد حادث الأقصر، أو في الجزائر، أو في السودان بعد محاولة اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في أديس أبابا، أو في اليمن أو غيرها من الدول العربية. ولكنها لم تحقق الهدف المنشود كاملا، لأن مقاومة الارهاب لا تقتصر على الاجراءات الامنية وحدها، وانما ترتبط ارتباطا وثيقا بالحالة الاقتصادية والاجتماعية للجماهير وهو ما يستلزم أن تتسع دائرة التمثيل في هذه المؤتمرات العربية، لتضم المسؤولين عن الاقتصاد والتعليم والثقافة وغيرها، وان يرتفع التمثيل فيها لتكون في المستقبل مؤتمرات قمة لمواجهة هذا الخطر الذي يمكن ان يتجدد طالما هناك مصادر من مصلحتها خلق حالة من عدم الاستقرار في الدول العربية أو الاسلامية، وعلينا أن نستعيد الأساليب التي لجأت اليها المخابرات المركزية الاميركية لدعم حركة طالبان في أفغانستان، واستقبال عناصر ارهابية مصرية مثل الشيخ عمر عبدالرحمن وغيره، وفتح بعض الدول العربية أبوابها لعناصر متطرفة مازالت تمارس نشاطها المتخلف في حماية الديمقراطية التي تعيش فيها هذه المجتمعات.

واجب المؤتمرات العربية لمقاومة الارهاب أن تواجه هذه الحقائق بكل الوسائل المتاحة حتى يتوافر تنسيق دولي ترجح فيه كفة التفهم لدوافع الارهاب وأسلوب مقاومته، والتغلب على ازدواج المعايير الذي يتجسد في فلسطين وتعتبر فيه اميركا وبعض الدول الغربية أن المقاومة الشعبية للاحتلال الاسرائيلي هي نوع من الارهاب. بينما الحقيقة ان الارهاب هو الذي تجسده حكومة شارون وترتكب به أفظع الجرائم الانسانية كنوع من ارهاب الدولة الذي يستهدف الاستعمار الاستيطاني، وسلب شعب فلسطين حقوقه المشروعة في أرضه، وفي اقامة دولته المستقلة. ومواصلة احتلال أرض عربية في الجولان ومزارع شبعا.

مؤتمرات مقاومة الارهاب على اختلاف مواقعها، والدول المشاركة فيها يجب ان تتمسك بثوابت مبدئية اذا استهدفت فعلا تخليص الدول والجماهير من أخطار الارهاب، ويمكن تلخيص هذه الثوابت المبدئية فيما يلي:

أولا: عدم الخلط بين الأديان والقوميات وبين المتطرفين من أبنائها الذين يشكلون خطرا ارهابيا عليها قبل الآخرين.

ثانيا: عدم اتخاذ مقاومة الارهاب سندا للتدخل في الشوون الداخلية للدول الأخرى عن طريق الغزو أو الأعمال العسكرية، أو محاولة اسقاط الأنظمة.

ثالثا: عدم الخلط بين المقاومة الشعبية المشروعة ضد الاحتلال وبين الارهاب الذي ترتكبه حكومات الدول التي تحتل أرض الغير.

رابعا: التعاون في تجفيف منابع تمويل الارهاب بطريقة تتسم بالمسؤولية والشفافية. والتعاون أيضا في مجال المعلومات.

خامسا: عدم تحميل الدول مسؤولية ما يرتكبه بعض المارقين من أبنائها.

وأخيرا.. فإن تحقيق هذه الأمور يقتضي من أنظمتنا العربية المبادرة بممارسة دورها في مقاومة الارهاب بتوفير الديمقراطية الكاملة في مجتمعاتها، ومحاربة الفساد الذي يقوض المجتمع ويبعث الأفكار المتطرفة والمتخلفة، والعمل على تنمية المجتمعات بأسلوب يوفر للجماهير حدا معقولا من الحياة الكريمة التي تحقق العدالة الاجتماعية.