فداء لدودة

TT

كثيرا ما اعتبر الغابرون ان من صور الرجولة والفروسية ان يترك الرجل امرأته من اجل الواجب، من اجل الجهاد للدين أو الوطن او العشيرة. هكذا كانت تقدر الرجولة، ولكن الظاهر ان مستواها قد تبسط في هذه الأيام وانخفض ثمن المرأة. اصبح الرجل يتركها جانباً لأتفه الاسباب. يتركها الرجل الانكليزي في انكلترا ويتجاهل شأنها لمجرد انشغاله بسباق كرة القدم. ويترك الطلياني امرأته من اجل أكلة معكرونة. وفي بلادنا يتركها وشأنها في البيت لأقل من ذلك، لمجرد فنجان شاي في مقهى.

لقد سمعت عن رجال يتخلون عن حبهم ويهجرون نساءهم من اجل الكرة، أو من اجل كلب أو قرد، ولكنني رأيت مؤخراً بأم عيني شابا يترك صديقته في كورنويل من اجل دودة.

وهذا شيء عجيب في المرأة الاوروبية. المرأة الشرقية لها من الحكمة ما يجعلها تترك الرجال لسخافاتهم، كأن يخرجوا الى المقهى ويتناقشوا لساعات في إعراب جملة بين الفعل المبني للمجهول ونائب الفاعل، أو فيما يجوز للمرأة ان تخرجه من شعرها خارج حجابها، أو ان يجلسوا حول قطع صغيرة سوداء مثقبة يسمونها دومينة يضربون بها الطاولة كما لو كانت عدواً من اسرائيل.

واثناء ذلك تكون المرأة قد كرست وقتها لشؤون الحياة الاساسية في اعداد الطعام وتربية الاولاد وترتيب البيت ونحو ذلك.

أما الغربية فقد ادخلوا في ذهنها ان عليها مشاركة الرجل في كل شيء. تراها تتحمل الزكام والبرد والثلج لمجرد ان فتاها يحب تسلق الجبال وعليها ان تشاركه. تراها غارقة في الاوحال بعد شهر اثر التقائها بشاب آخر هوايته استكشاف مجاري المياه القذرة. تجد شتى الغيد الحسان في اقبح الاماكن واسوأ الاحوال واخطر الفعاليات لا لشيء سوى ان عليهن مشاركة الرجل في تفاهاته ومخاطراته والتساوي معه.

لاحظت واحدة تصاحب شاباً يهوى صيد السمك. وسمك كورنويل يهوى الديدان. اقتضى عليه ان يصيد دودة يصيد بها سمكة. والديدان تهوى الأوحال والاطيان النتنة والسوائل الكريهة. هكذا ذهبت الفتاة لتصاحب فتاها الى المستنقعات حتى يعثر على بغيته. استولى السأم والقرف عليها اخيراً فنادته، «بل، الى متى نبقى هنا؟» اجابها، «الى ان اعثر على دودة يا حبيبتي، دقيقتان فقط» مر الوقت وتحول السأم الى غضب: «بل، بدأت اقرف من هذا المكان. متى ستعثر على الدودة؟» ـ «الا تسمعين؟ منذ ساعة وانا اقول لك دقيقتان. دقيقتان».

ـ «بل، انا آسفة. ولكني سأذهب وابق انت هنا».

ـ «حسنا. اذهبي واراك في الفندق عند المساء».

ـ «كلا بل سآخذ القطار واعود الى لندن، وداعاً لك». هز بل كتفيه غير عابئ واستمر يبحث في الوحل. وحملت الفتاة ساندويشاتها وانصرفت. وكانت أول مرة في حياتي أرى فيها رجلاً يترك امرأة حسناء من أجل دودة.