جدار الوهم الصهيوني

TT

إقامة سور بين الدولة الصهيونية والأراضي الفلسطينية المحتلة هو حدث غريب في تاريخ الاستعمار، فالدول الاستعمارية التقليدية كانت تسيطر على المستعمرات في أماكن كثيرة من العالم، ولكنها كانت تتصرف على اعتبار أن بقاءها مؤقت مهما طال، وأن هناك مفهوما للمستعمرات ومفهوما للوطن الأم، ولكن الحال مع الاستعمار الإسرائيلي مختلف، فهذا المستعمر يعتبر الأراضي التي استعمرها جزءا من أرضه، ويريد حرمان سكان هذه الأراضي المحتلة من كل حق بما فيه حق الهوية والأرض.

بناء السور بين إسرائيل والأراضي المحتلة يشكل حدثا بارزا في تاريخ الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فهو من جهة سرقة في وضح النهار للأراضي المحتلة حيث يقام السور، الذي يفترض أنه يفصل إسرائيل عن الأراضي المحتلة، فوق الأراضي الفلسطينية، ولكنه من جهة ثانية اعتراف صريح بأن هناك وراء الجدار شعبا آخر وهوية أخرى ووطنا آخر هو فلسطين وهي رسالة إلى الإسرائيليين وإلى العالم بأن هناك كيانا هو إسرائيل وكيانا آخر هو فلسطين، وأن شعبا آخر يعيش وراء الجدار. وهذا ما فهمه اليمين الإسرائيلي المتطرف حيث اعترض أعضاؤه في الكنيست على إقامة السور باعتباره السور الذي يعلن وقف مشروع من النهر إلى الفرات، وسيسقط مقولة الأرض الموعودة ويضع للمشروع الصهيوني حدودا مكهربة وأسلاكا شائكة توقفه عن حده بغض النظر عن مدى الظلم في تحديد مكان هذا السور، ومدى السرقة الفاضحة للأراضي الفلسطينية.

إقامة السور هو إعلان لفشل كل مشروع للقضاء على المقاومة، ولترويض الشعب الفلسطيني، وهو دليل فاضح على أنه لا حل للمشكلة الإسرائيلية سوى بالانسحاب الشامل من الأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة.

السلطة الفلسطينية تقول إن إقامة السور دليل على نظام الفصل العنصري، ونعتقد أن السور في هذه الجزئية لن يقدم جديدا، فالفصل العنصري قائم مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ومع الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية داخل أراضي إسرائيل، في المعالمة والتعليم والترقي الوظيفي وغيرها.

إسرائيل تقيم سورا على أراض مسروقة، ولكنها من حيث لا تعلم تعترف على أرض الواقع بأن هناك كيانين وشعبين ومشروعين، وهي بذلك تضيف إلى سلسلة الإخفاقات والفشل في التعامل مع القضية فصلا جديدا.

إسرائيل تريد أن تخترع شيئا أثبتت كل تجارب الدنيا أنه مستحيل، وهو إمكانية استمرار المستعمر في إذلال من يستعمرهم، وإمكانية أن يستمر الظلم ويسكت المظلومون، وهي محاولة يائسة للسير عكس التيار، ومناطحة كل قوانين السياسة والمجتمع والأخلاق.