عواطف بوش مع شارون.. وعقله مع الدولة الفلسطينية!

TT

كل الدلائل ترجح ان الرئيس بوش سيطلق فكرة «الدولة الفلسطينية الانتقالية» كأساس لخطته المنتظرة لمعالجة القضية، وذلك في اعقاب تصريحات لكولن باول نوه فيها بان الادارة الامريكية تناقش حاليا امكانية الدفع نحو اقامة دولة فلسطينية انتقالية كحل مؤقت لكسر حالة الجمود السائدة في العملية السلمية. وهي فكرة حمالة لأوجه عديدة، قد تكون صائبة اذا توافرت لها الضمانات الدولية وحددت معها الجداول الزمنية وصولا الى وضع الدولة الدائمة والقابلة للحياة جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل على حد تعبير الرئيس بوش، وبنفس القدر فإنها ستكون فكرة جائرة وضارة اذا افتقدت الضمانات والجداول الزمنية الموثقة، لأن قيام مثل هذه الدولة سيؤدي اولا الى تراجع الاهتمام بالقضية على اعتبار «ان الدولة قد قامت» بالرغم من انها تفتقد الى معظم مقومات الدولة واكثر من نصف الارض ما يزال محتلا، فضلا عن ان المشاكل الرئيسية الثلاث ما تزال معلقة، وهي القدس، والحدود، واللاجئون. وسيستخدم الاسرائيليون كل مهاراتهم في المراوغة والتنصل وافتعال الحيل الى مدى قرن آخر من الزمان او الى ان تدخل القضية دهاليز النسيان! بالطبع لا تبدو فكرة «الدولة الفلسطينية المؤقتة أو الانتقالية، هي الفكرة الافضل حتى مع توفير كل الضمانات لها لان الفكرة الاصوب هي استئناف المفاوضات من حيث توقفت بعد كامب ديفيد والعمل للوصول الى الحلول النهائية بأسرع وقت حتى تقوم الدولة الفلسطينية على اكمل وجه، ولكن مع ذلك فان الميزات المحدودة لهذه الفكرة على تواضعها تكمن في وضع حد للخداع الاسرائيلي الممانع اصلا لقيام دولة فلسطينية بالاعتراف بقيام الدولة، وكذلك بوضع حد للاجتياحات المتكررة والحصار وما الى ذلك من مهانة أو اذلال للشعب الفلسطيني.

لقد بدا واضحا ان شارون يعارض الفكرة ويعارض الجدول الزمني وابلغ الرئيس بوش ان حكومة الوحدة الوطنية ستتفكك، وانه سيذهب الى الانتخابات مرة أخرى مما يستوجب الانتظار ستة اشهر أخرى دون احراز أي تقدم، لكأنه خلال ما يقرب من العامين قد حقق شيئا يذكر غير الدمار والتخريب ونسف كل ما تحقق على تواضعه خلال عشر سنوات. واذا صدق العزم الامريكي في فرض الرؤية الرئاسية على الجميع فان المطلوب من اسرائيل هو الاعتراف بالدولة الفلسطينية المؤقتة، وعلى شارون ان يحل مشكلته سواء تعلق الأمر بانهيار ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية او باللجوء الى الانتخابات المبكرة. وفي الغالب ان اراد ان يتمترس وراء يمينيته الموغلة في التطرف فانه يعلم ان نتنياهو يزايد عليه ولن يكسب! وان قبل المقترح الامريكي فسيجد المساندة من حليفه في الحكم حزب العمل ومن حزب ميريتس المعارض. وفي كل الاحوال فان الضغط الامريكي كفيل بتغيير الصورة بما في ذلك امكانية تغيير شارون نفسه بابعاده من سدة الحكم، علما بأن غالبية الشعب الاسرائيلي تواقة للسلام كما تشير الاحصاءات وفوق ذلك الكل يعلم انه لا غنى لاسرائيل عن امريكا! ومع ذلك فان شارون لن يستسلم بسهولة رغم تلويحه باجراء الانتخابات وتباكيه من احتمال فركشة حكومة الوحدة الوطنية. ولعل من ابرز الحيل التي بدأ بها وانكشفت هي محاولته ان يظهر للولايات المتحدة انه يسعى سرا للتفاهم مع السلطة الفلسطينية، وذلك بتسريب ان بيريز عقد سلسلة من الاجتماعات السرية مع اثنين من كبار المسؤولين الفلسطينيين وان ثمة تفاهمات قد تحققت، فقد ذكر المحلل السياسي الاسرائيلي اتون كابليوك انه بتدبير من شارون اتصل بيريز هاتفيا عدة مرات باحمد قريع وعريقات بهدف ايهام الولايات المتحدة ان هناك تحركا ما للتفاوض وان شارون يقبل بعرفات شريكا في المفاوضات، وقال ايضا ان هذه التسريبات تمت للصحافة عن طريق مكتب شارون! لكن لا الادارة الامريكية من الغباء ان تستدير عن خطتها مقابل هذه الخدعة الساذجة، ولا السلطة التي ذاقت الامرين من شارون تقبل بخدعة يمارسها رجل العلاقات العامة بيريز الذي اخذ يظهر بصورة بحامل المساحيق لتجميل كل قباحات شارون في كل المحافل.

لقد عاد شارون من زيارته للولايات المتحدة وسط هالة دعائية واسعة من انه حقق في زيارته كل اهدافه وان الولايات المتحدة لم تمارس اي ضغوط عليه الى غير ذلك مما هو معروف، وكاد الجميع يصاب بالاحباط من ادارة بوش وانحيازها اللامحدود لاسرائيل لولا ما رشح من زيارة الامير سعود الفيصل لامريكا ولقاءاته مع الرئيس بوش ونائبه ووزير الخارجية حيث بدأ الجميع ينظرون بشيء من الامل في الرؤية الامريكية واحتمالات ان تسفر عن نتيجة تعيد شيئا من المصداقية للسياسة الامريكية. فما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي انه كان مرتاحا جدا الى ما سمعه من الرئيس جورج بوش، كما اعلن بعد لقائه مع ديك شيني نائب الرئيس «اننا نعمل باتفاق تام على طريق السلام، سلام يتجاوب مع تطلعات الشعب الفلسطيني في الكرامة واقامة وطن، وسلام يحمل لاسرائيل الامن والتطبيع».

وبنفس القدر الذي حملت فيه تصريحات الامير سعود آمالا في ما ينتظر ان يعلنه الرئيس بوش انقلبت الصورة في اسرائيل وتغيرت لهجة الخطاب، اذ ساور القريبين من شارون قلق من امكان ان يعلن الرئيس الامريكي مبادرة تتضمن قيام دولة فلسطينية وانسحاب جيش الاحتلال من الضفة والقطاع من دون ذكر العودة الى حدود 67. وكتبت مراسلة صحيفة «يديعوت احرونوت» في واشنطون ما يفيد: «ان بوش اتبع تكتيكا حدده مسبقا يقضي بمعانقة شارون امام الملأ وبالضغط عليه وراء الكواليس، وان الضغط الحقيقي آت قريبا عندما يعرض بوش رؤيته لحل النزاع في الشرق الاوسط ويضع جدولا زمنيا للحل». واضافت «شارون نجح في الحصول على عطف الرئيس الامريكي لكنه لم ينجح في اقناعه برفض الدولة الفلسطينية».

في كل الاحوال بدت لحظة الحقيقة تقترب بانتظار الرؤية التطبيقية التي سيعلنها الرئيس بوش غدا او بعد اسبوع على الاكثر والتي في ضوئها سيتحدد مسار كل التطورات المتعلقة بالقضية خاصة قيام الدولة المؤقتة والجدول الزمني والضمانات وكل ما ينبغي بحثه في المؤتمر الدولي. وكل المؤشرات تشي بأن خط الاعتدال الذي كشف عنه كولن باول هو الذي اصبح الخط الغالب في البيت الابيض بالرغم من الخطوات المتشنجة التي بدأت تأخذ طريقها في اسرائيل ومنها البدء بصورة عجلى في ما يسمى بالجدار الامني الذي بدا وكأنه يستبق صاعقة اعلان الدولة الفلسطينية ليجهضها، المهم ان علينا ان ننتظر لنرى كيف ستولد لحظة الحقيقة وكيف سيتعامل الجميع معها خاصة ان تسارع الاحداث دائما ما يصاحبه تغير في الموقف خاصة في امريكا!