إيجابيات خطاب بوش

TT

اكبر خطأ يمكن ان يقع فيه الجانب العربي هو التسرع في اتخاذ ردود فعل سلبية تجاه الخطاب الذي ألقاه الرئيس الاميركي جورج بوش بشأن الشرق الاوسط والذي حدد فيه لاول مرة بوضوح الرؤية الاميركية للطريق نحو اقامة دولة فلسطينية وارساء السلام في الشرق الأوسط.

فقد تكون في الخطاب جوانب تحتاج الى توضيح، او نقاط لا تلبي المطالب العربية تماما، لكن القراءة المتأنية للخطاب تظهر ان هناك ايجابيات كثيرة تلتزم بها الادارة الاميركية لاول مرة ويمكن ان تشكل اساسا للبناء عليه في اتجاه اقامة الدولة الفلسطينية اعتمادا على حدود عام 1967، ومن ثم الوصول الى السلام الشامل في المنطقة الذي يضم جميع الاطراف المعنية وينهي بشكل عادل الصراع الذي استنزف طاقات المنطقة على مدار عقود.

واذا فكرنا في الايجابيات التي تضمنها الخطاب، فان اهمها هو اشارة الرئيس الاميركي بشكل واضح في حديثه عن التسوية النهائية الى انهاء الاحتلال الاسرائيلي الذي بدأ عام 1967 من خلال تسوية يتم التفاوض عليها بين الاطراف على اساس قراري مجلس الامن 242 و338، وكذلك اشارته الى حسم القضايا المتعلقة بالقدس ومحنة اللاجئين الفلسطينيين، وهي المرة الاولى التي تتحدث فيها واشنطن بشكل صريح عن حدود عام 1967، وهو ما ينسجم مع المبادرة السعودية للسلام التي تحولت الى مبادرة عربية بعد ان اقرتها قمة بيروت العربية الاخيرة.

كذلك تحدث الرئيس الاميركي عن التوصل الى سلام نهائي بين اسرائيل وسورية ولبنان، وهو ما يتفق مع الموقف العربي الذي يرى ان السلام الشامل والنهائي لن يتحقق اذا لم تشمل المفاوضات المسارين السوري واللبناني.

وفي اطار التفكير ايضا في الايجابيات فانه يمكن النظر الى بيان بوش الذي جاء بعد طول انتظار وتأخير ومشاورات واسعة جرت بين واشنطن والاطراف العربية، ومع اسرائيل والاتحاد الاوروبي وروسيا على انه ثمرة للجهود الدبلوماسية العربية التي استمرت شهورا طويلة من اجل دفع ادارة الرئيس بوش الى الاضطلاع بمسؤولياتها في الشرق الاوسط باعتبارها القوة العظمى والراعي الرئيسي لمفاوضات السلام. وقد جاء ذلك بعد مبادرات ومباحثات وجهود مكثفة بعد ان كانت هذه الادارة تتخذ موقفا سلبيا من الوضع المتفاقم في المنطقة وتتردد في اتخاذ اي مبادرات.

صحيح ان الخطاب قدم قائمة مطالب واشتراطات للسلطة الفلسطينية من اجل قيام دولة فلسطينية انتقالية، لكنه في جانب آخر قدم التزاما اميركيا قويا بقيام هذه الدولة، ودعمها اقتصاديا.

ومنتقدو الخطاب الذين يشيرون الى عدم وجود خريطة واضحة تفصيلية لكيفية تحقيق الرؤية الاميركية في قيام الدولة الفلسطينية لديهم كل الحق، لكن هذا يمكن ان يكون مجال تفاوض، وتوضيحات تطلبها الاطراف العربية خلال الجولة المرتقبة لوزير الخارجية الاميركي كولن باول في المنطقة والواضح ان قرار المضي فيها ينتظر استيضاح مواقف الاطراف العربية من الخطاب.

اخيرا يجب ألا نتوقف كثيرا امام بعض التصريحات وردود الفعل الاسرائيلية التي قالت ان خطاب بوش تبنى موقف الليكود الاسرائيلي، فهذا جزء من الاعيب السياسة الاسرائيلية لاستفزاز العرب. واسرائيل التي تعرف ان هناك استحقاقات كبيرة يجب ان تدفعها حسب الرؤية التي اعلنها بوش (حدود 1967 واللاجئون ووقف المستوطنات حسب خطة ميتشل، والافراج عن الاموال المجمدة للسلطة الفلسطينية) سيسعدها ان يتخذ العرب موقفا متشنجا من خطاب بوش حتى ينفرد الاسرائيليون بالساحة ويفعلوا ما يشاءون، ويقولوا ان العرب هم الذين يرفضون كل شيء.